وقوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ ....) إلخ. (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ ...) الآية ، لمّا كانا ـ عليهماالسلام ـ مع المكوّن كانت الأكوان معهما ، «أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون ، فإذا شهدته كانت الأكوان معك» ، وذكر فى القوت : أن سليمان عليهالسلام لبس ذات يوم قميصا رفيعا جديدا ، ثم ركب البساط ، وحملته الريح ، فبينما هو يسير إذ نظر إلى عطفه نظرة ، فأنزلته الريح ، فقال : لم أنزلتنى ولم آمرك؟! فقالت : نطيعك إذا أطعت الله ، ونعصيك إذا عصيته. فاستغفر وحملته. ه بالمعنى. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر أيوب عليهالسلام ، فقال :
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤))
يقول الحق جل جلاله : (وَ) اذكر خبر (أَيُّوبَ) عليهالسلام (إِذْ نادى رَبَّهُ) : دعاه : (أَنِّي) أي : بأنى (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) وهو بالضم : ما يصيب النفس من مرض وهزال ، وبالفتح : الضرر فى كل شىء ، (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ، تلطف فى السؤال ؛ حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ، وذكر ربه بغاية الرحمة ، ولم يصرح بالمطلوب ؛ من كمال أدبه ، فكأنه قال : أنت أهل أن ترحم ، وأيوب أهل أن يرحم ، فارحمه ، واكشف عنه ضره الذي مسه. عن أنس : أنه أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ، ولم يشتك ، وكيف يشكو ، والله تعالى يقول : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) (١).
وقيل : إنما اشتكى إليه ؛ تلذذا بالنجوى ، لا تضررا بالشكوى ، والشكاية إليه غاية فى القرب ، كما أن الشكاية منه غاية فى البعد ، وسيأتى فى الإشارة تكميله ، إن شاء الله. روى أن أيوب عليهالسلام ، كان من الروم ، وهو أيوب بن أموص ابن تارح بن رعويل بن عيص بن إسحاق. وكانت أمه من ولد لوط عليهالسلام اصطفاه الله للنبوة والرسالة ، وبسط عليه الدنيا ؛ فكان له ثلاثة آلاف بعير ، وسبعة آلاف شاة ، وخمسمائة فدان ، يتبعها خمسمائة عبد ، لكل عبد امرأة وولد ، وكان له سبعة بنين ، وسبع بنات. قاله النسفي.
زاد الثعلبي : وكانت له المشيئة من أرض الشام كلها ، وكان له فيها من صنوف المال ما لم يكن لأحد ؛ من الخيل والبقر والغنم والحمر وغيره ، وكان برا تقيا رحيما بالمساكين ، يكفل الأرامل والأيتام ، ويكرم الضيف ، ويبلغ
__________________
(١) من الآية ٤٤ من سورة ص.