فى اتباعها على ألطف وجه ، مالا يخفى. (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا) من جهة ربنا ، (أَنَّ الْعَذابَ) الدنيوي والأخروى (عَلى مَنْ كَذَّبَ) بآيات الله (وَتَوَلَّى) أي : أعرض عن قبولها ، وفيه من التلطف فى الوعيد حيث لم يصرح بحلول العذاب به مالا مزيد عليه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغى لأهل العلم ولأهل الوعظ والتذكير أن يتعاونوا على نشر العلم ووعظ العباد ، ويتوجهوا إليهم فى أقطار البلاد ، فإن ذلك فرض كفاية على أهل العلم ، ولا يشغلهم نشر العلم عن ذكر الله ، ولا تذكير العباد عن شهود الله ، كما قال الله تعالى : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي : ولا تغفلا عن شهودى وقت إرشاد عبادى ، فإن توجهوا إلى الجبابرة والفراعنة فليلينوا لهم المقال ، وليدعوهم إلى أسهل الخلال ، فإن ذلك أدعى إلى الامتثال ، خلافا لمن قال هذه ملة موسوية ، وأما الملة المحمدية فقال تعالى فيها : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١) ؛ فإنّ بيان الحق لا ينافى أن يكون بملاطفة وإحسان ، فإن خاف الواعظ من صولة المتجبر فإن الله معه ، يحفظه ويرعاه ، ويسمعه ويراه ، فإن لم يسمع لقوله ولم يتعظ لوعظه ، فقد بلغ ما عليه ، وليقل بلسان الحال أو المقال : (والسلام على من اتبع الهدى). وبالله التوفيق.
ثم ذكر جواب فرعون ، فقال :
(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))
قلت : (خَلْقَهُ) : يحتمل أن يكون اسما بمعنى المخلوق ، فيكون مفعولا أولا ، و (كُلَّ شَيْءٍ) : مفعولا ثانيا ، أو يكون مصدرا بمعنى الخلقة ، فيكون مفعولا ثانيا ، أي : أعطى كل شىء خلقته وصورته التي هو عليها.
يقول الحق جل جلاله : (قالَ) فرعون فى جواب موسى ، لما أتاه مع أخيه وبلغا الرسالة ، وقالا له ما أمرهما به ربهما ، وإنما حذفه للإيجاز ، وللإشعار بأنهما لما أمرا بذلك سارعا إلى الامتثال من غير تلعثم ، أو بأن
__________________
(١) من الآية ٢٩ من سورة الكهف.