سد ذو القرنين على إحدى وعشرين ، وبقيت واحدة ، فسموا الترك ؛ لأنهم تركوا خارجين. قال أهل التاريخ : أولاد نوح عليهالسلام ثلاثة : سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب والعجم والروم ، وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ، ويافث أبو الترك والخرز والصقالبة ويأجوج ومأجوج. ه.
وقرئ بالهمز فيهما ؛ لأنه من أجيج النار ، أي : ضوؤها وشررها ، شبهوا به فى كثرتهم وشدتهم ، وهو غير منصرف ؛ للعجمة والعلمية.
(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) ، إما أن يكون قالوه بواسطة ترجمان ، أو يكون فهم كلامهم ، فيكون من جملة ما آتاه الله تعالى من الأسباب ، فقالوا له : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) (١) ، قد تقدم أنهم من أولاد يافث. وما يقال : إنهم من نطفة احتلام آدم لم يصح ، واختلف فى صفاتهم ، فقيل : فى غاية صغر الجثة وقصر القامة ، لا يزيد قدمهم على شبر ، وقيل : فى نهاية عظم الجسم وطول القامة ، تبلغ قدودهم نحو مائة وعشرين ذراعا ، وفيهم من عرضه كذلك. قال عبد الله بن مسعود : سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن يأجوج ومأجوج ، فقال : «هم أمم ، كل أمة أربع مائة ألف ، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه ، كلهم قد حمل السلاح» ، قيل : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : «هم ثلاثة أصناف : صنف منهم أمثال الأرز ـ وهو شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع ـ وصنف عرضه وطوله سواء ، عشرون ومائة ذراع ، وصنف يفرش أذنه ويلتحف بالأخرى ، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ، ومن مات منهم أكلوه ، مقدّمتهم بالشام ، وساقتهم بخراسان ، يشربون أنهار المشرق ، وبحيرة طبرية». (٢).
فقالوا له : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : فى أرضنا ، بالقتل ، والتخريب ، وإتلاف الزرع ، قيل : كانوا يخرجون أيام الربيع ، فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ، ولا يابسا إلا احتملوه ، وكانوا يأكلون الناس أيضا. (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) أي : جعلا من أموالنا (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) ؛ بالفتح وبالضم ، أي : حاجزا يمنعهم منا؟
(قالَ ما مَكَّنِّي) ـ بالفك وبالإدغام ـ أي : ما مكننى (فِيهِ رَبِّي) ، وجعلنى فيه مكينا قادرا من الملك والمال وسائر الأسباب ، (خَيْرٌ) من جعلكم ، فلا حاجة لى به ، (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) الأبدان وعمل الأيدى ، كصنّاع يحسنون البناء والعمل ، وبآلات لا بد منها فى البناء ، (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) أي : حاجزا حصينا ، وبرزخا مكينا ، وهو أكبر من السد وأوثق ، يقال : ثوب مردم ؛ إذا كان ذا رقاع فوق رقاع ، وهذا إسعاف لهم فوق ما يرجون.
__________________
(١) هذه قراءة الجماعة ؛ (بدون همز) ، وقرأ عاصم بالهمز .. انظر إتحاف فضلاء البشر (٢ / ٢٢٥).
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٤ / ٤٥٠) لابن أبى حاتم ، وابن مردويه وابن عدى ، وابن عساكر ، وابن النجار ، وفيه أن السائل هو حذيفة.