قد تجردوا من لباس الزينة والافتخار ، ولبسوا لباس المسكنة والافتقار ، فعوضهم الله تعالى فى قلوبهم لباس الغنى والعز والاقتدار ، صبروا قليلا ، واستراحوا زمنا طويلا ، تذللوا قليلا ، وعزّوا عزا طويلا ، جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه. ثم أخذ ذو القرنين من الجنوب إلى الشمال ، كما قال تعالى :
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١))
قلت : (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) : مفعول ، لا ظرف ؛ لأنه يستعمل متصرفا.
يقول الحق جل جلاله : (ثُمَّ أَتْبَعَ) ذو القرنين (سَبَباً) : طريقا ثالثا بين المشرق والمغرب ، سالكا من الجنوب إلى الشمال ، (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) : بين الجبلين ، اللذين سدّ ما بينهما ، وهو منقطع أرض الترك ، مما يلى المشرق ، لا جبال أرمينية وأذربيجان ، كما توهم ، وفيه لغتان : الضم والفتح ، وقيل : ما كان من فعل الله فهو مضموم ، وما كان من عمل الخلق فهو مفتوح. (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) أي : من ورائهما : مما يلى بر الترك ، (قَوْماً) : أمة من الناس (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ) : يفهمون (قَوْلاً) ؛ لغرابة لغتهم ، وقلة فطنتهم ، وقرئ بالضم ؛ رباعيا ، أي : لا يفصحون بكلامهم ، واختلف فيهم ، قيل : هم جيل من الترك ؛ قال السدى : الترك سربة من يأجوج ومأجوج ، خرجت ، فضرب ذو القرنين السد ، فبقيت خارجة. قلت : ولعلهم طلبوا منه ذلك ، حين اعتزلوا قومهم ، ثم قال : فجميع الترك منهم. وعن قتادة : أنهم ، ـ أي : يأجوج ومأجوج ـ اثنتان وعشرون قبيلة ،