(وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) عراة (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) من اللباس والبنيان ، قيل : هم الزنج ، وفى اللباب : قيل : إنهم بنو كليب ، وقيل : إن بنى كليب طائفة منهم ، وهم قوم بآخر صين الصين ، على صور بنى آدم ، إلّا أنهم لهم أذناب كأذناب الكلاب ، ووجوه كوجوه الكلاب ، وأكثر قوتهم الحوت ، ومن مات منهم أكلوه ، وملأوا موضع دماغه مسكا وعنبرا ، وحبسوه عندهم ؛ تبركا بآبائهم وأبنائهم. ثم قال : وليس لهم لباس إلا الجلود على عورتهم. ه.
وعن كعب : أن أرضهم لا تمسك الأبنية ، وبها أسراب ، فإذا طلعت الشمس دخلوا الأسراب أو البحر ، فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم ، يتراعون فيها كما ترعى البهائم. قال رجل من سمرقند : خرجت حتى جاوزت الصين ، فقالوا لى : بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ، فاستأجرت رجلا حتى بلغتهم ، فإذا أحدهم يفرش أذنه ، ويلبس الأخرى ، وكان صاحبى يحسن لسانهم ، فسألهم فقالوا : جئتنا تنظر كيف تطلع الشمس. قال : فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة ، فغشى علىّ ، ثم أفقت وهم يمسحوننى بالدهن ، فلما طلعت الشمس على الماء ، إذا هى فوق الماء كهيئة الزيت ، فأدخلونا سربا لهم ، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر يصطادون السمك فيطرحونه فى الشمس فينضج (١). ه. وعن مجاهد : من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض. ه.
وقوله تعالى : (كَذلِكَ) أي : أمر ذى القرنين كما وصفنا ، فى رفعة المحل وبسط الملك ، أو أمره فيهم كأمره فى أهل مغرب الشمس ، من التخيير والاختيار ، أو وجد قوما عند مطلع الشمس كذلك ، وحكم فيهم ، بحكم أولئك. أو : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ) سترا مثل ستركم من اللباس والأكنان والجبال. قال الحسن : كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر ، ولا تحمل البناء ، فإذا طلعت الشمس هربوا إلى البحر. ه. قال تعالى : (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) من الأسباب والعدد ، وما صدر عنه وما لاقاه (خُبْراً) : علما تعلق بظواهره وخفايا أمره ، يعنى : أن ذلك بلغ من الكثرة بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير.
الإشارة : كان ذو القرنين فى الظاهر يلتمس مطلع الشمس الحسية ، وفى الباطن يلتمس مطلع الشمس المعنوية ، وهى شمس القلوب ، التي تكشف أستار الغيوب ، ثم أتبع سببا يوصل إلى شمس العيان ، فوجدها تطلع على قلوب أهل العرفان ، لم يجعل لهم من دونها سترا على الدوام ، لما أتحفهم به من غاية الوصال والإكرام ، حتى قال قائلهم : لو حجب عنى الحق تعالى طرفة عين ما أعددت نفسى من المسلمين ، وكذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو تقول : وجدها تطلع على أهل التجريد ، الخائضين فى بحار التوحيد ، وأسرار التفريد ، وفيهم قال المجذوب رضي الله عنه :
أقارئين علم التّوحيد |
|
هنا البحور إلىّ تنبى |
هذا مقام أهل التّجريد |
|
الواقفين مع ربّى |
__________________
(١) قال الآلوسى معقبا : (وأنت تعلم أن مثل هذه الحكايات لا ينبغى أن يلتفت إليها ويعول عليها ، وما هى إلا أخبار عن هيان بن بيان ، تحكيها العجائز لصغار الصبيان). انظر روح المعاني (١٦ / ٣٦).