الإشارة : لو أن عارفا بالله سيّر الجبال عن أماكنها ، وفجر الأرض عيونا ، وكلمه الموتى لما آمن بخصوصيته إلا من سبقت له عناية الخصوصية. فلو شاء الله لهدى الناس إلى معرفته جميعا. لكن الحكمة اقتضت وجود الخلاف ، قال تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١) ، فمن لم يهتد إلى معرفتهم لا يزال تطرقه قوارع الشكوك والأوهام ، وخواطر السوء ، أو تحل قريبا من قلبه ، إن لم تتمكن فيه ، حتى يأتى وعد الله بحضور موته ، فقد يتداركه اللطف والرعاية ، وقد يتسع الخرق عليه فيموت على الشك ، والعياذ بالله. بخلاف من صحب أهل الطمأنينة واليقين ، لا يموت إلا على اليقين ؛ لأن همة الشيوخ قد حلّقت عليه ، والعناية قد حفت به. والله ولى المتقين.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : (والله لا يكون الشيخ شيخا حتى تكون يده مع الفقير أينما ذهب) ، والمراد باليد : الهمة والحفظ. ووقت الموت أولى بالحضور ، وقد شاهدنا ذلك من إخواننا ممن حضره الموت منهم ، أخبر أنه يرى شيخه حاضرا معه. فلله الحمة والمنة.
ثم سلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من إذاية قومه ، فقال :
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢))
يقول الحق جل جلاله ، فى تسلية رسوله صلىاللهعليهوسلم : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) فأوذوا وأهينوا ، (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : أمهلتهم فى دعة ورغد عيش ، مدة من الزمان ، (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالهلاك والاستئصال ، (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ)؟ أي : عقابى إياهم ، وهو تهويل لما نزل بهم ، وتخويف لغيرهم من المستهزئين بالرسول صلىاللهعليهوسلم والمقترحين عليه الآيات.
الإشارة : الاستهزاء بأهل الخصوصية فى بدايتهم سنة ماضية ، ويتسلون بمن سلف من خصوص الأنبياء والأولياء. وما هدد به الكفار يهدد به أهل الإنكار. وبالله التوفيق.
ثم وبخهم على الشرك وأوعدهم عليه ، فقال :
(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤))
__________________
(١) من الآية ١١٨ من سورة هود.