قلت : (أَفَمَنْ) مع صلته : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : أفمن هو رقيب على كل شىء أحق أن يعبد أم غيره. أو كمن ليس كذلك؟!.
يقول الحق جل جلاله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) ؛ أي : حفيظ رقيب على عمل كل نفس (بِما كَسَبَتْ) من خير أو شر ، لا يخفى عليه شىء من أعمالهم ، ولا يفوت عنده شىء من جزائهم ، أحق أن يعبد أم غيره؟. أو كمن ليس كذلك ممن هو جماد لا يسمع ، ولا يعقل!!. (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) بعد هذا البيان التام ، (قُلْ) لهم : (سَمُّوهُمْ) أي : اذكروا أسماءهم ، فلا تجدون إلا أسماء إناث ؛ كاللات والعزى ومناة ، أو أسماء أحجار وخشب ؛ فبأى وجه تستحق أن تعبد ، وتشرك مع الله فى ألوهيته؟.
(أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) ؛ بل أتخبرونه بما لا يعلم وجوده فى الأرض ، وهذا تهكم بهم ، كأنهم علموا استحقاق الأصنام العبادة ، ولم يعلمها الحق تعالى ، وهو محال. والمعنى : أن الله لا يعلم لنفسه شركاء وإذا لم يعلمهم فليسوا بشىء ، فكيف تفترون الكذب فى عبادتهم؟ (أَمْ) تسمونهم شركاء ، (بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) ، من غير حقيقة واعتبار معنى ، كتسمية الخبث مسكا ، والبول عطرا.
(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) أي : انخداعهم وغرورهم حتى توهموا الباطل حقا ، أو مكرهم بالإسلام وكيدهم لأهله ، (وَصُدُّوا) (١) (عَنِ السَّبِيلِ) أي : وصدوا الناس عن طريق الحق ، حيث منعوهم من الإسلام.
ومن قرأ بضم الصاد مبنيا للمفعول فمعناه : صدّهم الشيطان عن طريق الحق وضلوا عنه. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي : من يخذله الله فليس له من يوفقه غيره. (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والأسر ، وسائر ما يصيبهم من المصائب ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) ؛ لشدته ودوامه ، (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي : من عذابه (مِنْ واقٍ) يقيهم ويعصمهم منه.
الإشارة : كل من تحقق أن الله قائم عليه استحيا منه أن يسىء الأدب بين يديه ، يقول الله تعالى فى بعض الأخبار : «إن كنتم تعتقدون أنى لا أراكم ، فالخلل فى إيمانكم ، وإن كنتم تعتقدون أنى أراكم فلم جعلتمونى أهون الناظرين إليكم؟». وكل من وقف مع الأسباب واعتمد عليها ، أو طمع فى الخلق وركن إليهم ، فقد جعل لله شركاء ، فيقال له : سمّ هؤلاء تجدهم خلقا عاجزين ، لا قدرة لهم على شىء ، ولا ينفعوك بشىء إلا ما قسم الله لك فى الأزل. بل زين لضعفاء اليقين مكرهم ، حتى انخدعوا وافتتنوا برؤية الأسباب ، أي : كفروا كفرا دون كفر ؛ بأن شكّوا فى
__________________
(١) قرأ عاصم وحمزة والكسائي ، بضم الصاد ، على البناء للمفعول ، وقرأ الباقون بالفتح على البناء للفاعل .. انظر الإتحاف (٢ / ١٦٢).