عليهالسلام على الخضر قد جرى له مثله ، ففى هذه الأمثلة حجة عليه ، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة ، نودى : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت مطروح فى اليم؟ فلما أنكر قتل الغلام قيل له : أين إنكارك من وكزك القبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار ، نودى : أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجر؟ والله تعالى أعلم.
روى أنه قال له : لو صبرت لأتيت بك على ألفى عجيبة ، كلها مما رأيت. ولما أراد موسى عليهالسلام أن يفارقه ، قال له : أوصنى ، قال : لا تطلب العلم لتحدث به ، واطلبه لتعمل به. ه.
وفى رواية : قال له : اجعل همتك فى معادك ، ولا تخض فيما لا يعنيك ، ولا تأمن الخوف ، ولا تيأس الأمن ، وتدبر الأمور فى علانيتك ، ولا تذر الإحسان فى قدرتك. فقال له : زدنى يا ولى الله ، فقال : يا موسى إياك واللجاجة ، ولا تمش فى غير حاجة ، ولا تضحك من غير عجب ، ولا تعير أحدا بخطيئة بعد الندم ، وابك على خطيئتك يا ابن عمران ، وإياك والإعجاب بنفسك ، والتفريط فيما بقي من عمرك ، فقال له موسى : قد أبلغت فى الوصية ، أتم الله عليك نعمته ، وغمرك فى رحمته ، وكلأك من عدوه. فقال الخضر : آمين. فأوصنى أنت يا نبى الله ، فقال له موسى : إياك والغضب إلا فى الله ، ولا ترضى عن أحد إلا فى الله ، ولا تحب لدنيا ولا تبغض لدنيا ، فإنك تخرج من الإيمان وتدخل فى الكفر ، فقال له الخضر : قد أبلغت فى الوصية يا ابن عمران ، أعانك الله على طاعته ، وأراك السرور فى أمرك ، وحببك إلى خلقه ، وأوسع عليك من فضله ، قال موسى : آمين.
تنبيه : قد تقدم أن الجمهور على حياة الخضر عليهالسلام. وسبب تعميره أنه كان على مقدمة ذى القرنين ، فلما دخل الظلمات أصاب الخضر عين الحياة ، فنزل فاغتسل منها ، وشرب من مائها ، فأخطأ ذو القرنين الطريق ، فعاد ، فلم يصادفها ، قالوا : وإلياس أيضا فى الحياة ، يلتقيان فى كل سنة بالموسم ، واحتج من قال بموت الخضر بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ، كما فى الصحيح ، بعد صلاة العشاء : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّه على رأس مائة سنة ، لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» (١) ، ويجاب بأن الخضر عليهالسلام كان فى ذلك الوقت فى السحاب ، أو يخصص الحديث به ؛ كما يخص بإبليس ومن عمّر من غيره. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الاعتراض على المشايخ موجب للبعد عنهم ، والبعد عنهم موجب للبعد عن الله ، فلا وصول إلى الله إلا بالوصول إليهم مع التعظيم والاحترام ؛ «سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه» ؛ كما فى الحكم. فالواجب على المريد ، إذا كان بين يدى الشيخ ، السكوت
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (العلم ، باب السمر فى العلم) ، ومسلم فى (فضائل الصحابة ، باب قوله صلىاللهعليهوسلم : لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم) ، من حديث ابن عمر ـ رضى الله عنه.