بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب؟ وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله الا الله ، محمد رسول الله) (١). وقيل : كانت صحفا فيها علم مدفون.
(وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ، فيه تنبيه على أن سعيه فى ذلك كان لصلاح أبيهما ، وفيه دليل على أن الله تعالى يحفظ أولياءه فى ذريتهم ، قيل : كان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة أجداد. قال محمد بن المنكدر : (إن الله تعالى ليحفظ بالرجل الصالح ولده ، وولد ولده ، ومسربته التي هو فيها ، والدويرات التي حولها ، فلا يزالون فى حفظ الله وستره). وكان سعيد بن المسيب يقول لولده : إنى لأزيد فى صلاتى من أجلك ، رجاء أن أحفظ فيك ، ويتلو هذه الآية. وفى الحديث : «ما أحسن أحد الخلافة فى ماله إلا أحسن الله الخلافة فى تركته» (٢). ويؤخذ من الآية : القيام بحق أولاد الصالحين ؛ إذ قام الخضر عليهالسلام بذلك.
(فَأَرادَ رَبُّكَ) أي : مالكك ومدبر أمرك. وفى إضافة الرب إلى ضمير موسى عليهالسلام ، دون ضميرهما ، تنبيه له عليهالسلام على تحتم كمال الانقياد ، والاستسلام لإرادته سبحانه ، ووجوب الاحتراز عن المناقشة فيما برز من القدرة فى الأمور المذكورة وغيرها. أراد (أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) : حلمهما وكمال رأيهما ، (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) من تحت الجدار ، ولو لا أنى أقمته لا نقض ، وخرج الكنز من تحته ، قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته ، وضاع بالكلية ؛ (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مصدر فى موضع الحال ، أي : يستخرجا كنزهما مرحومين به من الله تعالى. أو : يتعلق بمضمر ، أي : فعلت ما فعلت من الأمور التي شاهدتها ، (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ؛ بمن فعل له أو به.
وقد استعمل الخضر عليهالسلام غاية الأدب فى هذه المخاطبة ؛ فنسب ما كان عيبا لنفسه ، وما كان ممتزجا له ولله تعالى ؛ فإن القتل بلا سبب ظاهره عيب ، وإبداله بخير منه خير ، فأتى بضمير المشاركة ، وما كان كمالا محضا ، وهو إقامة الجدار ، نسبه لله تعالى.
ثم قال : (وَما فَعَلْتُهُ) أي : ما رأيت من الخوارق (عَنْ أَمْرِي) أي : عن رأيى واجتهادي ، بل بوحي إلهى ملكى ، أو إلهامي ، على اختلاف فى نبوته أو ولايته ، (ذلِكَ) أي : ما تقدم ذكره من التأويلات ، (تَأْوِيلُ) أي : مآل وعاقبة (ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي : تفسير ما لم تستطع عليه صبرا ، فحذف التاء ؛ تخفيفا ، وهو فذلكة لما تقدم ، وفى جعل الصلة غير ما مرّ تكرير للتنكير عليه وتشديد للعتاب. قيل : كل ما أنكر سيدنا موسى
__________________
(١) أخرجه الطبري فى تفسيره (١٦ / ٦). وانظر تفسير ابن كثير (٣ / ٩٩).
(٢) عزاه فى كنز العمال (١٦٠٧١) لابن المبارك ، عن ابن شهاب ، مرسلا. وذكره ؛ مرفوعا : ابن عدى فى الكامل (٦ / ٢٢٩١) عن ابن عمر ، وضعّفه.