والتسليم والاحترام والتعظيم ، إلا أن يأمره بالكلام ، فيتكلم بآداب ووقار وخفض صوت ، فإذا رأى منه شيئا يخالف ظاهر الشريعة فليسلم له ، ويطلب تأويله ، فإن الشريعة واسعة ، لها ظاهر وباطن ، فلعله على ما لم يفهمه المريد.
وكذلك الفقراء لا ينكر عليهم إلا ما كان محرّما مجمعا على تحريمه ، ولا تأويل فيه ، كالزنا بالمعينة أو اللواط ، وأما ما اختلف فيه ، ولو خارج المذهب ، فلا ينكر عليه ، وكذلك ما فيه تأويل. هذا إن صحت عدالته ، فقد قالوا : إن صحت عدالة المرء فليترك وما فعل. وتأمل قضية شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن المجذوب فى مسألة الثور الذي أمر الفقراء بذبحه ، فلما ذبحوه تبين أنه كان صدقة عليه ، وكذلك غيره من أرباب الأحوال ، يلتمس لهم أحسن المخارج ، فإن أحوالهم خضرية ، وما رأينا أحدا أولع بالإنكار فأفلح أبدا. وبالله التوفيق.
ثم ذكر قصة ذى القرنين ، الذي وقع السؤال عنه مع الروح وأهل الكهف ، فقال :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨))
يقول الحق جل جلاله : (وَيَسْئَلُونَكَ) أي : اليهود ، سألوه على وجه الامتحان ، أو قريش ، بتلقينهم. والتعبير بالمضارع ؛ للدلالة على استمرارهم على ذلك إلى ورود الجواب ، والمراد : ذو القرنين الأكبر ، وكان على عهد إبراهيم عليهالسلام ، ويقال : إنه الذي قضى لإبراهيم حين تحاكم إليه فى بئر السبع بالشام ، واسمه تبرس ، وقيل : هرديس (١) ، وأما ذو القرنين الأصغر ، بالقرب من زمن عيسى عليهالسلام ، واسمه الإسكندر ، وهو صاحب أرسطو الفيلسوف ، وقيل : المراد به هنا الأصغر ، واقتصر عليه المحلّى.
قال الإمام الرازي : والأول أظهر ؛ لأن من بلغ ملكه من السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الأكبر ، كما شهدت به كتب التواريخ. قلت : كلاهما بلغا الغاية القصوى ، وملكا المشارق والمغارب ، أما ذو القرنين الأكبر ، فقيل : إنه كان ملكا عادلا صالحا ، ملك الأقاليم ، وقهر أهلها من الملوك ، ودانت له البلاد ، وإنه كان داعيا
__________________
(١) ليس فى هذا الشأن خبر عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوسلم.