الْبَحْرِ). وإسناد العمل إلى الكل ، حينئذ ، بطريق التغليب ، ولأن عمل الوكيل بمنزلة الموكل. (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) : أجعلها ذات عيب ، (١) (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) أي : أمامهم ، وقرئ به ، أو خلفهم ، وكان رجوعهم عليه لا محالة ، وكان اسمه : «جلندى بن كركر» وقيل : «هدد بن بدد» ، قال ابن عطية : وهذا كله غير ثابت ، يعنى : تسمية الملك. (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صالحة ، وقرئ به ، (غَصْباً) من أصحابها.
وكان حق النظم أن يتأخر بيان إرادة التعيّب عن خوف الغصب ، فيقول : فكانت لمساكين ، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة ، فأردت أن أعيبها ؛ لأن إرادة التعيب مسبّب عن خوف الغصب ، وإنما قدّم ؛ للاعتناء بشأنها ؛ إذ هى المحتاجة إلى التأويل ، ولأن فى التأخير فصلا بين السفينة وضميرها ، مع توهم رجوعه إلى الأقرب. قال البيضاوي : ومبنى ذلك ـ أي : التعيب وخوف الغصب ـ على أنه متى تعارض ضرران يجب حمل أهونهما بدفع أعظمهما ، وهو أصل ممهد ، غير أن الشرائع فى تفاصيله مختلفة. ه.
(وَأَمَّا الْغُلامُ) الذي قتلته ، (فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وقد طبع هو كافرا ، وإنما لم يصرح بكفره ؛ لعدم الحاجة إليه ؛ لظهوره من قوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما) : فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين (طُغْياناً) عليهما (وَكُفْراً) بنعمتهما ؛ لعقوقه وسوء صنيعه ، فيلحقهما شرا ، أو لشدة محبتهما له فيحملهما على طاعته ، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره ، فيجتمع فى بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر ، فلعله يميلهما إلى رأيه فيرتدا. وإنما خشى الخضر عليهالسلام منه ذلك ؛ لأن الله سبحانه أعلمه بحاله وأطلعه على عاقبة أمره ، وقرئ : «فخاف ربك» ، أي : كره سبحانه كراهية من خاف سوء عاقبة الأمر. ويجوز أن يكون القراءة المشهورة من قول الله سبحانه على الحكاية ، أي فكرهنا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ؛ (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ) ؛ بأن يرزقهما بدله ولدا (خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) : طهارة من الذنوب والأخلاق الردية ، (وَأَقْرَبَ رُحْماً) أي : رحمة وعطفا ، وفى التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليهما ما لا يخفى ؛ من الدلالة على وصول الخير إليهما ، فلذلك قيل : ولدت لهما جارية ، تزوجها نبى من الأنبياء فولدت نبيا ، هدى الله تعالى على يديه أمة من الأمم ، وقيل : ولدت سبعين نبيا ، وقيل : أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما.
(وَأَمَّا الْجِدارُ) الذي أقمت (فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) أي : القرية المذكورة فيما سبق ، ولعل التعبير عنها بالمدينة ؛ لإظهار نوع اعتداد بها ، باعتداد ما فيها من اليتيمين وأبيهما الصالح ، قيل : اسم اليتيمين : أصرم وصريم. (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) من فضة وذهب ، كما فى الحديث (٢) ، والذم على كنزهما إنما هو لمن لم يؤد زكاته ، مع أن هذه شريعة أخرى. قال ابن عباس : (كان لوحا من ذهب ، مكتوب فيه : عجبت لمن يؤمن
__________________
(١) أي : مرضى بمرض مزمن.
(٢) أخرجه الترمذي فى (تفسير سورة الكهف) ، والحاكم فى المستدرك (٢ / ٣٦٩) ، عن أبى الدرداء ؛ مرفوعا.