شاءَ اللهُ صابِراً) معك ، غير معترض عليك. وتوسيط الاستثناء بين مفعولى الوجدان لكمال الاعتناء بالتيمن ، ولئلا يتوهم تعلقه بالصبر ، (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) ، هو داخل فى الاستثناء ، أي : ستجدنى إن شاء الله صابرا وغير عاص.
وقال القشيري : وعد من نفسه شيئين : الصبر ، وألّا يعصيه فيما يأمره به. فأما الصبر فقرنه بالمشيئة ، حتى وجده صابرا ، فلم يقبض على يدى الخضر فيما كان منه من الفعل. والثاني قال : (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) ، فأطلق ولم يستثن ، فعصى ، حيث قال له الخضر : (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) ، فكان يسأله ، فبالاستثناء لم يخالف ، وبالإطلاق خالف. ه. قال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن الفاسى : وفيه نظر ؛ للحديث الصحيح : «يرحم الله موسى ، لو صبر ...» مع أن قوله : «ولا أعصى ...» إلخ ، غير خارج عن الاستثناء ، كما تقدم ، وإن احتمل خروجه ، والظاهر : أن الاستثناء ، كالدعاء ، إنما ينفع إذا صادف القدر ، وهو هنا لم يصادف ، مع أنه هنا عارضه علم الخضر بكونه لم يصبر من قوله : (لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، وقد أراد الله نفوذ علم الخضر. ه.
وقال ابن البنا : أن العهد إنما هو على قدر الاستطاعة ، وإن الوفاء بالملتزم إنما يكون فيما لا يخالف الشرع ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ؛ لأن موسى عليهالسلام لم يلتزم إلا ذلك. ولمّا رأى ما هو محرم تكلم .. فافهم. ه.
ثم شرط عليه التسليم لما يرى ، فقال : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) تشاهده من أفعالى ، فهمته أم لا ، أي : لا تفاتحنى بالسؤال عن حكمته ، فضلا عن مناقشته واعتراضه ، (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) ؛ حتى أبتدى بيانه لك وحكمته ، وفيه إيذان بأن ما يصدر منه له حكمة خفية ، وعاقبة صالحة. وهذا من أدب المتعلم مع العالم ، والتابع مع المتبوع ، أنه لا يعترض على شيخه بل يسأل ؛ مسترشدا بملاطفة وأدب ، وهذا فى العلم الظاهر. وسيأتى فى الإشارة ما يتعلق بعلم الباطن.
الإشارة : قد أخذ الصوفية ـ رضى الله عنهم ـ آداب المريد مع الشيخ من قضية الخضر مع موسى ـ عليهماالسلام ـ ؛ فطريقتهم مبنية على السكوت والتسليم ، حتى لو قال لشيخه : لم؟ لم يفلح أبدا ، سواء رأى من شيخه منكرا أو غيره ، ولعله اختبار له فى صدقه ، أو اطلع على باطن الأمر فيه ، فأحوالهم خضرية ، فالمريد الصادق يسلم لشيخه فى كل ما يرى ، ويمتثل أمره فى كل شىء ، فهم وجه الشريعة فيه أم لا ، هذا فى علم الباطن ، وأما علم الظاهر فمبنى على البحث والتفتيش ، مع ملاطفة وتعظيم.
قال الورتجبي : امتحن الحق تعالى موسى عليهالسلام بصحبة الخضر ؛ لاستقامة الطريقة ولتقويم السنة فى متابعة المشايخ ، ويكون أسوة للمريدين والقاصدين فى خدمتهم أشياخ الطريقة. ه. قال القشيري فى قوله : (فلا تسألن عن شىء) : قال : ليس للمريد أن يقول لشيخه : لم ، ولا للمتعلم أن يقول لأستاذه ، ولا للعامى أن يقول للمفتى فيما يفتى ويحكم : لم. ه.