وقال ابن البنا فى تفسيره : يؤخذ من هذه القصة : ترك الاعتراض على أولياء الله إذا ظهر منهم شىء مخالف للظاهر ؛ لأنهم فيه على دليل غير ظاهر لغيرهم ، اللهم إلا أن يدعوك إلى اتباعه ، فلا تتبعه إلا عن دليل ، ويسلم له فى حاله ، ولا تعترض عليه ، ولا يمنعك ذلك من طلب العلم والتعلم منه ، وإن كنت لا تعمل بعمله ؛ لأنه لا يجب عليك تقيده إلا عن دليل ، فلا تعمل مثل عمله ، وأنت ترى أنه مخالف لك فى ظنك ، ولا علم لك بحقيقة باطن الأمر ، فلا تقف ما ليس لك به علم. والله الموفق والمرشد. ه.
قلت : ما ذكره إنما هو فى حق من لم يدخل تحت تربيته ، فإنما هو طالب علم أو تبرك ، وأما من التزم صحبته على طريق التربية فلا يتأخر عن امتثال ما أمره به ، كيفما كان ، نعم ، إن لم ينبغ التوقف والتأنى فى الاقتداء به.
وقال فى القوت فى قوله : (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) : الشيء فى هذا الموضع وصف مخصوص من وصف الربوبية من العلم ، الذي علمه الخضر عليهالسلام من لدنه ، لا يصلح أن يسأل عنه ، من معنى صفات التوحيد ونعوت الوحدانية ، لا يوكل إلى العقول ، بل يخص به المراد المحمول. ه.
قال المحشى الفاسى : وهو ـ أي : المحمول ـ ما يرشق فيهم من وصف الحق وقدرته ، فيتصرفون ، وهم فى الحقيقة مصرّفون ، وهؤلاء هم أهل القبضة ، الذين علّمهم سرّ الحقيقة ، فلهم قدرة لنفوذ شعاعها فيهم ، فتتكوّن لهم الأشياء ، وتنفعل لحملهم سر الحقيقة وظهورها لهم وفيهم ، وهم كما قال : مرادون محمولون ، فما يجرى عليهم : قدر (وَما رَمَيْتَ ...) الآية. ه.
ثم ذكر ما أراه من الخوارق ، فقال :
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧))