الإشارة : من اتخذ الله وليا ، بموالاة طاعته وإفراد محبته ، كان الله له وليا ونصيرا عند احتياجه وفاقته ، ومجيبا له عند دعائه واستغاثته ، ومن اتخذ وليّا غير الله خاب ظنه ومناه ، فإذا استغاث به جعل بينه وبين المستغيث به موبقا وبرزخا بعيدا ، ومن والى أولياء الله فإنما والى الله ، (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) (١). وبالله التوفيق.
ثم ذكر كفرهم بالقرآن ، مع كونه آية واضحة للعيان ، فقال :
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩))
قلت : (جَدَلاً) : تمييز ، و (رَبُّكَ) : مبتدأ ، و (الْغَفُورُ) : خبره ، و (ذُو الرَّحْمَةِ) : خبر بعد خبر ، وقيل : الخبر : (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ) ، و (الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) : صفتان للمبتدأ ، ، وإيراد المغفرة على جهة المبالغة دون الرحمة ؛ للتنبيه على كثرة الذنوب ، وأيضا : المغفرة ترك المؤاخذة ، وهى غير متناهية ، والرحمة فعل ، وهو متناهى ، وتقديم الوصف الأول ؛ لأن التخلية قبل التحلية ، و (المهلك) ؛ بضم الميم وفتح اللام : اسم مصدر ، من أهلك ، فالمصدر ، على هذا ، مضاف للمفعول ؛ لأن الفعل متعد ، وقرئ بفتح الميم ، من هلك ، فالمصدر ، على هذا ، مضاف للفاعل.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي : كررنا وأوردنا على وجوه كثيرة من النظر العجيب ، (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ) ؛ لمصلحتهم ومنفعتهم ، (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ؛ من كل خبر يحتاجون إليه ، أو : من كل مثل
__________________
(١) من الآية ١٠ من سورة الفتح.