مضروب يعتبرون به ، ومن جملته ما مر من مثل الرجلين ، ومثل الحياة الدنيا. أو : من كل نوع من أنواع المعاني البديعة الداعية إلى الإيمان ، التي هى ، فى الغرابة والحسن واستجلاب القلوب ، كالمثل المضروب ، ليتلقوه بالقبول ، فلم يفعلوا. (وَكانَ الْإِنْسانُ) بحسب جبلّته (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي : أكثر الأشياء ، التي يتأتى منها الجدل ، جدلا ، وهو هنا شدة الخصومة بالباطل ، والمعنى : أن جدله أكثر من جدل كل مجادل ، وفيها ذم الجدل. وسببها : مجادلة النضر بن الحارث كما قيل ، وهى عامة.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ) أي : أهل مكة الذين حكيت أباطيلهم ، من (أَنْ يُؤْمِنُوا) بالله تعالى ، ويتركوا ما هم فيه من الإشراك ، (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أي : حين جاءهم القرآن الهادي إلى الإيمان ، بسبب ما فيه من فنون العلوم وأنواع الإعجاز ، فيؤمنوا ، (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) عما فرط منهم من أنواع الذنوب ، التي من جملتها : مجادلتهم للحق بالباطل ، (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي : ما منعهم إلا إتيان سنة الأولين ، وهو نزول العذاب المستأصل أو انتظاره ، فيكون على حذف مضاف ، أي : انتظار سنة الأولين ، وهو الهلاك. قال ابن جزى : معناها أن المانع للناس من الإيمان والاستغفار هو القضاء عليهم بأن تأتيهم سنّة الأمم المتقدمة ، وهى الإهلاك فى الدنيا ، أو يأتيهم العذاب أي : عذاب الآخرة. ه. قلت : والظاهر أن معنى الآية : ما منعهم من الإيمان إلا انتظار آية يرونها عيانا ، كعادة الأمم الماضية ، فيهلكوا كما هى سنّة الله فى خلقه ، أو : عذاب ينزل بهم جهرا ، وهو معنى قوله : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) أي : مقابلة وعيانا.
قال تعالى : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ) إلى الأمم (إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي : مبشرين للمؤمنين بالثواب ، ومنذرين للكافرين بالعقاب ، دون إظهار الآيات واقتراح المعجزات ، (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) ؛ باقتراح الآيات ؛ كالسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها. يفعلون ذلك (لِيُدْحِضُوا بِهِ) أي : بالجدال (الْحَقَ) ، أي : يزيلونه عن مركزه ويبطلونه ، من إدحاض القدم وهو إزلاقها. وجدالهم : قولهم لرسلهم عليهمالسلام : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) (١) ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (٢) ، ونحوها. (وَاتَّخَذُوا آياتِي) التي تخرّ لها صمّ الجبال ، وهو القرآن ، (وَما أُنْذِرُوا) أي : وإنذارى لهم ، أو : الذي أنذروا به من العذاب والعقاب ، (هُزُواً) ؛ مهزوءا به ، أو محل استهزاء.
__________________
(١) الآية ١٥ من سورة يس.
(٢) الآية ٢٤ من سورة المؤمنون.