الإشارة : فى الآية تنفير من الاستكبار والترفع على عباد الله تشبيها بإبليس ، وحث على التواضع والخضوع لله فى خلقه وتجلياته كيفما كانت ، وفيها أيضا الحض على إفراد الوجهة والمحبة لله ، والتبري من كل ما سواه مما يشغل عن الله ، وفيها أيضا : النهى عن التطلع إلى ما لم يرد به من أسرار القدر نص صريح فى كتاب الله ولا فى سنة رسول الله من أسرار القدر ، وفيها أيضا : النهى عن الاستعانة بأعداء الله فى أي شأن كان. وبالله التوفيق.
ثم ذكر وبال من اتخذ وليّا غير الله ، فقال :
(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣))
قلت : (مَوْبِقاً) : اسم مكان ، أو مصدر ، من : وبق وبوقا ، كوثب وثوبا ، ووبق وبقا ، كفرح فرحا.
يقول الحق جل جلاله : (وَ) اذكر (يَوْمَ يَقُولُ) الحق تعالى للكفار ؛ توبيخا وتعجيزا لهم : (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم شفعاؤكم ؛ ليشفعوا لكم ، والمراد بهم كل ما عبد من دون الله ، أو إبليس وذريته ، (فَدَعَوْهُمْ) أي : نادوهم للإغاثة ، (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) : فلم يغيثوهم ، (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) أي : بين الداعين والمدعوين (مَوْبِقاً) أي : مهلكا يهلكون فيه جميعا ، وهو النار ، وقيل : العداوة ، وهى نوع من الهلاك ، لقول عمر رضي الله عنه : «لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا» (١). وقيل : المراد بالبين : الوصل ، أي : وجعلنا وصلهم فى الدنيا هلاكا فى الآخرة ، كقوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (٢) ، وقيل : المراد بالشركاء : الملائكة ، وعزير ، وعيسى ـ عليهمالسلام ـ ، ويراد حينئذ بالموبق : البرزخ البعيد ، أي : وجعلنا بينهم وبين من عبدوهم برزخا بعيدا ؛ لأنهم فى قعر جهنم ، وهم فى أعلى عليين.
(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) ، وضع المظهر موضع المضمر ؛ تصريحا بإجرامهم ، وذما لهم ، أي : ورأوا النار (فَظَنُّوا) أي : أيقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ؛ مخالطوها وواقعون فيها ، (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي : انصرافا ومعدلا ينصرفون إليه ، نسأل الله السلامة من مواقع الهلاك.
__________________
(١) قال المناوى فى الفتح السماوي ٢ / ٧٩٦ : «لم أقف عليه» ، ومعنى المثل : لا يكن حبك حبا مفرطا يؤدى إلى الولع والهيام ، وبغضك بغضا مفرطا يجر إلى التلف.
(٢) من الآية ٩٤ من سورة الأنعام.