الملك والجبابرة يتولونه ويثنون عليه. ورزقناه أولادا طيبة ، وعمرا طويلا فى الطاعة والمعرفة ، ومالا حلالا. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) لحضرتنا ، المقربين عندنا ، اللذين لهم الدرجات العلا ؛ كما سأله ذلك بقوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١).
(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) ؛ دينه ومنهاجه فى التوحيد ، والدعوة إليه بالرفق ، والمجادلة بالتي هى أحسن ، كل واحد بحسب فهمه. وكان (حَنِيفاً) ؛ مائلا عما سوى الله ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، بل كان قدوة الموحدين. كرره ؛ ردا على اليهود والنصارى والمشركين فى زعمهم أنهم على دينه مع إشراكهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كل من تمسك بطاعة الله ظاهرا ، أو مال عما سوى الله باطنا ، وشكر الله دائما ، ودعا الناس إلى هذا الأمر العظيم : كان وليا إبراهيميا ، محمديا ، خليلا حبيبا ، مقربا ، قد اجتباه الحق تعالى إلى حضرته ، وهداه إلى صراط مستقيم ، وعاش فى الدنيا سعيدا ، ومات شهيدا ، وألحق بالصالحين. جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه.
ولما ادّعت اليهود أنها على ملة إبراهيم دون غيرها ، رد الله عليهم بأن السبت ليس من ملته ، فقال :
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) أي : فرض تعظيمه وإفراده للعبادة ، (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) على نبيهم ، وهم : اليهود ؛ أمرهم موسى عليهالسلام أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة ، فأبوا وقالوا : نريد يوم السبت ؛ لأنه تعالى فرغ فيه من خلق السموات والأرض ، فألزمهم الله السبت ، وشدّد عليهم فيه. وقيل : لما أمرهم بيوم الجمعة ، قبل بعضهم ، وأبى أكثرهم ، فاختلفوا فيه. وقيل : اختلافهم : هو أن منهم من حرّم الصيد فيه ، ومنهم من أحله ، فعاقبهم الله بالمسخ. والتقدير على هذا : إنما جعل وبال السبت ـ وهو المسخ ، (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا) ؛ فأحلوا فيه الصيد تارة ، وحرموه أخرى ، أو أحله بعضهم ، وحرمه بعضهم ، وذكرهم هنا ؛ تهديدا للمشركين ، كذكر القرية التي كفرت بأنعم الله ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ؛ فيجازى كل فريق بما يستحقه ، فيثيب المطيع ، ويعاقب العاصي.
الإشارة : الاختلاف على الأكابر ؛ كالشيوخ والعلماء ، والتقدم بين أيديهم بالرأى والكلام ، من أقبح المساويء ، وسو الأدب يوجب لصاحبه العطب ؛ كالقطع عن الله ، والبعد من ساحة حضرته. قال بعضهم : إذا جالست الكبراء ؛ فدع ما تعلم لما لا تعلم ؛ لتفوز بالسر المكنون. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) من الآية ٨٣ من سورة الشعراء.