الإشارة : كل من أساء الأدب ، ثم تاب وأناب ، التحق بالأحباب. قال بعضهم : «كل سوء أدب يثمر أدبا فهو أدب». والتوبة تتبع المقامات ؛ فتوبة العوام : من الهفوات ، وتوبة الخواص : من الغفلات ، وتوبه خواص الخواص : من الفترات عن شهود الحضرات. وبالله التوفيق.
ولمّا رغّب فى الشكر ذكر أنه من ملة خليله إبراهيم عليهالسلام ، ودين حبيبه ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ ؛ تحريضا عليه ، فقال تعالى :
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) أي : إماما قدوة ؛ قال تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١) ، قال ابن مسعود : «الأمة : معلّم الناس الخير» ، أو أمة وحده ، اجتمع فيه ما افترق فى غيره ، فكان وحده أمة من الأمم ؛ لكماله واستجماعه لخصال الكمال التي لا تكاد تجتمع إلا فى أشخاص كثيرة ، كقول الشاعر :
وليس على الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم فى واحد (٢) |
وهو رئيس الموحدين ، وقدوة المحققين ، جادل فرق المشركين ، وأبطل مذاهبهم الزائفة بالحجج الدامغة. ولذلك عقّب ذكره بتزييف مذاهب المشركين. أو : لأنه كان وحده مؤمنا وسائر الناس كفارا. قاله البيضاوي. وكان (قانِتاً لِلَّهِ) ؛ مطيعا قائما بأوامره ، (حَنِيفاً) ؛ مائلا عن الباطل ، (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وأنتم يا معشر قريش تزعمون أنكم على دينه ، وأنتم مشركون.
وكان (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) ، لا يخل بشكر قليل منها ولا كثير. ولذلك ذكرها بلفظ جمع القلة ، (اجْتَباهُ) : اختاره للنبوة والرسالة والخلة. (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ؛ التي توصل إلى حضرة النعيم ، ودعا إليها ، (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) ؛ بأن حببناه إلى كافة الخلق ، ورزقناه الثناء الحسن فى الملل كلها ، حتى إنّ أرباب
__________________
(١) من الآية ١٢٤ من سورة البقرة.
(٢) البيت للحسن بن هانئ ، هو لمعروف بأبى نواس.