تشبيه الناقض بمن هذا شأنه ، وقيل : هى «ريطة بنت سعد القرشية» ؛ فإنها كانت خرقاء ـ أي : حمقاء ـ تغزل طول يومها ثم تنقضه ، فكانت العرب تضرب بها المثل لمن قال ولم يوف ، أو حلف ولم يبر فى يمينه. (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) أي : لا تكونوا متشبهين بامرأة خرقاء ، متخذين أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم. وأصل الدخل : ما يدخل الشيء ، ولم يكن منه ، يقال : فيه الدخل والدغل ، وهو قصد الخديعة.
تفعلون ذلك النقض ؛ لأجل (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) : بأن تكون جماعة أزيد عددا وأوفر مالا ، من جماعة أخرى ، فتنقضون عهد الأولى لأجل الثانية ؛ لكثرتها. نزلت فى العرب ، كانت القبيلة منهم تحالف الأخرى ، فإذا جاءها قبيلة أقوى منها ، غدرت الأولى ، وحالفت الثانية. وقيل : الإشارة بالأربى هنا إلى كفار قريش ؛ إذ كانوا حينئذ أكثر من المسلمين ، فحذر من بايع على الإسلام أن ينقضه لما يرى من قوة كفار قريش.
(إِنَّما يَبْلُوكُمُ) : يختبركم (اللهُ بِهِ) ؛ بما أمر من الوفاء بالعهد ؛ لينظر المطيع منكم والعاصي. أو : بكون أمة هى أربى ، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله ، أم تغترّون بكثرة قريش وشوكتهم ، وقلة المؤمنين وضعفهم؟ (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) فى الدنيا ؛ حين يجازيكم على أعمالكم بالثواب والعقاب. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ؛ أهل دين واحد متفقين على الإسلام ، (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) بعدله ، (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بفضله ، (وَلَتُسْئَلُنَ) يوم القيامة ؛ سؤال تبكيت ومجازاة ، (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فى الدنيا ؛ لتجازوا عليه.
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) ، كرره ؛ تأكيدا ؛ مبالغة فى قبح المنهي عنه من نقض العهود ، (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) عن محجة الإسلام (بَعْدَ ثُبُوتِها) : استقامتها عليه ، والمراد : أقدامهم ، وإنما وحد ونكّر ؛ للدلالة على أن زلل قدم واحد عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة؟ (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) : العذاب فى الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : بصدكم عن الوفاء بعهد الله ، أو بصدكم غيركم عنه ؛ فإن من نقض البيعة ، وارتد ، جعل ذلك سنّة لغيره ، (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فى الآخرة.
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) أي : لا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسوله صلىاللهعليهوسلم بأخذكم (ثَمَناً قَلِيلاً) : عرضا يسيرا من الدنيا ، بأن تنقضوا العهد لأجله. قيل : هو ما كانت قريش يعدونه لضعفاء المسلمين ، ويشترطون لهم على الارتداد ، (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من النصر والعز ، وأخذ الغنائم فى الدنيا ، والثواب الجزيل فى الآخرة ، (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) مما يعدونكم ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلك فلا تنقضوا ، أو إن كنتم من أهل العلم والتمييز.