ويدفعها عن الظلم ؛ باستكباره عن العبودية ، ويأمرها بإذعانها عند تراب أقدام أولياء الله ؛ لتكون مطمئنة فى عبودية الحق ، ذاكرة لسلطان ربوبيته ، وقهر جبروته وملكوته وإحاطته بكل ذرة ، وفناء الخليقة فى حقيقته. ه. ومن مكارم الأخلاق الداخلة تحت العدل : الوفاء بالعهد ، كما قال تعالى :
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))
قلت : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ) : حال ، و (أَنْكاثاً) : حال من الغزل ، وهو : جمع نكث ـ بالكسر ـ بمعنى منكوث ، أي : منقوض. و (أَنْ تَكُونَ) : مفعول من أجله ، و (تَتَّخِذُونَ) : جملة حالية من ضمير (تَكُونُوا).
يقول الحق جل جلاله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) ؛ كالبيعة للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وللأمراء ، والأيمان ، والنذور ، وغيرها ، (إِذا عاهَدْتُمْ) الله على شىء من ذلك ، (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) ؛ أيمان البيعة ، أو مطلق الأيمان ، (بَعْدَ تَوْكِيدِها) ؛ بعد توثيقها بذكر الله ، أو صفته ، أو أسمائه ، (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) ؛ شاهدا ورقيبا ، بتلك البيعة ؛ فإن الكفيل مراع لحال المكفول رقيب عليه ، (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) فى نقض الأيمان والعهود. وهو تهديد لمن ينقض العهد ، وهذا فى الأيمان التي فى الوفاء بها خير ، وأما ما كان تركه أولى فيكفّر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير ، كما فى الحديث.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) : أفسدته (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) أي : إبرام وإحكام ؛ (أَنْكاثاً) أي : طاقات ، أي : صيرته طاقات كما كان قبل الغزل ، بحيث حلت إحكامه وإبرامه ، حتى صار كما كان ، والمراد :