قلت : الحفدة : جمع حافد ، وهو الخديم المسرع فى الخدمة ، والحفد فى اللغة : الخدمة ، ومنه فى القنوت : «وإليك نسعى ونحفد» ، أي : نسرع فى خدمتك. وسموا أولاد الأولاد حفدة ؛ لأنهم يسرعون فى خدمة جدهم ، حين كبر ولزم الدار ، وقيل : هم البنات ؛ لأنهن يخدمن الدار.
يقول الحق جل جلاله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) ؛ حيث خلق حواء من ضلع آدم ، وسائر النساء من نطفة الرجال ، والنساء خلقهن لكم ، لتتأنسوا بهن ، ولتتمتعوا بهن فى الحلال ، وليكون أولادكم مثلكم. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ) من صلبكم (وَحَفَدَةً) ؛ أولاد أولادكم أو بناتكم ؛ فإن البنات يخدمن فى البيوت أشد الخدمة ، أو الأصهار من قبل النساء ، أو الخدم ، (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ؛ من اللذائذ والمشتهيات ؛ كأنواع الثمار والحبوب والفواكه ، والحيوان ؛ أكلا وركوبا وزينة ، أو الحلالات ، و (مِنْ) : للتبعيض ؛ فإن طيبات الدنيا أنموذج من نعيم الآخرة. (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهو أن الأصنام تنفعهم ؛ لأن الأصنام باطلة لا حقيقة لوجودها ، وإضافة النفع لها : كفر بنعمة الله ، ولذلك قال : (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) ؛ حيث أضافوها إلى أصنامهم ، أو حيث حرّموا منها ما أحله الله لهم كالبحائر والسوائب. والله تعالى أعلم.
الإشارة : والله جعل لكم من أنفسكم المطهرة أصنافا من العلوم اللدنية. قال أبو سليمان الداراني : (إذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام ، جالت فى الملكوت ، ثم عادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة ، من غير أن يؤدى إليها عالم علما). وجعل لكم من تلك العلوم بنين روحانيين ، وهو التلامذة ، يحملون تلك العلوم ، وحفدة : من ينقل ذلك عنهم إلى يوم القيامة ، ورزقكم من الطيبات ، وهى حلاوة المعرفة عند العارفين ، وحلاوة الطاعات عند المجتهدين. أفبالباطل ـ وهو ما سوى الله ـ يؤمنون ، فيقفون مع الوسائط والأسباب ، ويغيبون عن مسبب الأسباب ، وبنعمة الله ـ التي هى شهود الحق بلا وسائط ـ هم يكفرون.
ثم عاب على من وقف مع غير الله ، فقال :
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤))
قلت : (رِزْقاً) : مفعول بيملك ، فيحتمل أن يكون مصدرا ، أو اسما لما يرزق ، فإن كان مصدرا ، فشيئا مفعول به ؛ لأن المصدر ينصب المفعول ، وإن كان اسما ، فشيئا بدل منه. وجمع الضمير فى (يَسْتَطِيعُونَ) ، وأفرده فى (يَمْلِكُ) ؛ لأن (ما) مفردة ؛ لفظا ، واقعة على الآلهة ، فراعى أولا اللفظ ، وفى الثاني المعنى.