يقول الحق جل جلاله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره (ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ) ؛ بالمطر (وَالْأَرْضِ) ؛ بالنبات ، فلا يرزقونهم من ذلك (شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) : لا يقدرون على شىء من ذلك ؛ لعجزهم ، وهم الأصنام ، (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) ؛ لا تجعلوا له أشباها تشركونهم به ، أو تقيسونهم عليه ، فإنّ ضرب المثل تشبيه حال بحال ، (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) ألّا مثل له ، أو فساد ما يقولون عليه من القياس ، (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك ، ولو علمتموه لما تجرأتم عليه ، فهو تعليل للنهى ، أي : إنه يعلم كنه الأشياء ، وأنتم لا تعلمون ، فدعوا رأيكم ، وقفوا عند ما ما حد لكم.
الإشارة : كل من ركن إلى شىء دون الحق تعالى ، أو اعتمد عليه فى إيصال المنافع أو دفع المضار ، تصدق عليه الآية ، وتجر ذيلها عليه ، فلا تجعلوا لله أمثالا تعتمدون عليهم وتركنون إليهم ، فالله يعلم من هو أولى بالاعتماد عليه والركون إليه ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، أو تعلمون ولا تعملون ، ولقد قال من علم ذلك وتحقق به :
حرام على من وحّد الله ربّه |
|
وأفرده أن يجتدى أحدا رفدا |
فيا صاحبى ، قف بي على الحقّ وقفة |
|
أموت بها وجدا ، وأحيا بها وجدا |
وقل لملوك الأرض تجهد |
|
فذا الملك ملك لا يباع ولا يهدى |
قال سهل رضي الله عنه : «ما من قلب ولا نفس إلا والله مطلع عليه فى ساعات الليل والنهار ، فأيما نفس أو قلب رأى فيه حاجة إلى غيره ، سلط عليه إبليس». وقال الأستاذ أبو على الدقاق رضي الله عنه : من علامة المعرفة : ألا تسأل حوائجك ، قلّت أو كثرت ، إلا من الله سبحانه ، مثل موسى عليهالسلام ؛ اشتاق إلى الرؤية ، فقال : رب أرنى أنظر إليك ، واحتاج مرة إلى رغيف ، فقال : رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير. ه. وقال فى التنوير : اعلم ، رحمك الله ، أن رفع الهمة عن المخلوقين ، وعدم التعرض لهم ، أزين لهم من الحلي للعروس ، وهم أحوج إليه من الماء لحياة النفوس ... إلخ كلامه رضي الله عنه.
ثم ضرب مثلا لنفسه ، ولمن يعبد معه ، فقال :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦))