ساداتهم. وهو احتجاج على وحدانيته تعالى ، وإنكار ورد على المشركين ، فكأنه يقول : أنتم لا تسوّون بين أنفسكم وبين مماليككم فى الرزق ، ولا تجعلونهم شركاء لكم ، بل تأنفون من ذلك ، فكيف تجعلون عبيدى شركاء لى فى ألوهيتى؟! وهذا كقوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (١). ويحتمل أن يكون ذما وعتابا لمن لا يحسن إلى مملوكه ، حتى يرد ما رزقه الله عليه ، كما فى الحديث : «أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون» (٢).
(أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ، حيث يجعلون له شركاء ، فإنه يقتضى أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ، ويجحدوا أنه من عند الله ، أو حيث أنكروا هذه الحجج ، بعد ما أنعم الله عليهم بإيضاحها ، أو حيث بخسوا مماليكهم مما يجب لهم من الإنفاق. على التفسير الثاني.
الإشارة : والله فضّل بعضكم على بعض فى أرزاق العلوم ، والأسرار والمواهب ، فمنكم غنى بالله ، ومنكم فقير منه فى قلبه ، ومنكم عالم به ومنكم جاهل ، ومنكم قوى اليقين ومنكم ضعيف ، فما الذين فضّلوا بالعلوم اللدنية والأسرار الربانية برادّى تلك العلوم على الجهلة وضعفاء اليقين ، بأن يطلعوهم على أسرار الربوبية قبل استحقاقها ـ فإن ذلك بخس بحقها ـ حتى يرونهم أهلا لها ؛ بأن يبذلوا لهم أنفسهم وأموالهم ، ويملكون لهم رقابهم يتصرفون فيها تصرف المالك فى مملوكه ، فحينئذ يشاركونهم فيما منحهم الله من أرزاق العلوم وأسرار الفهوم ، وقد قيل : لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
وفى هذا المعنى يقول الشاعر :
سأكتم علمى عن ذوى الجهل طاقتى |
|
ولا أنثر الدرّ النّفيس على البهم |
فإن قدّر الله الكريم بلطفه |
|
ولا قيت أهلا للعلوم وللحكم |
بذلت علومى واستفدت علومهم |
|
وإلّا فمخزون لدىّ ومكتتم |
فمن منح الجهّال علما أضاعه |
|
ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
ثم ذكّرهم بالنعم التي لا قدرة لأحد عليها ، فقال :
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢))
__________________
(١) من الآية ٢٨ من سورة الروم.
(٢) أخرجه مسلم فى (الزهد ، باب حديث جابر الطويل) ، من حديث أبى اليسر.