قلت : جاء فى بعض الأحاديث ما يقتضى تخصيص القارئ للقرآن بالمتبع له ، وأنه الذي يمتعه الله بعقله حتى يموت ، وهو الذي يشهد له الحس ، أي : الوجود فى الخارج ، بالصدق ، لوجود الخرف فى كثير ممن يحفظه. قاله فى الحاشية.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أي : عليم بمقادير الأشياء وأوقاتها ، قدير على إيجاد الأشياء وإعدامها ، عند انتهاء آجالها ، فيميت الشاب النشط عند تمام أجله ، ويبقى الهرم الفاني إلى انقضاء أجله. قال البيضاوي : وفيه تنبيه على أن تفاوت أعمار الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ، ركب أبنيتهم ، وعدل أمزجتهم ، على قدر معلوم ، ولو كان ذلك بمقتضى الطبائع لم يقع التفاوت إلى هذا المبلغ. ه.
الإشارة : الخلق والتوفى هو من جملة الظهور والبطون ، عند أهل التوحيد الخاص ، والرد إلى أرذل العمر لا يلحق العارفين بالله. وقد قيل ، فى استثناء قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (١) من الرد إلى أسفل سافلين : إن الصالح لا يدركه الخرف وإن أدركه الهرم. وذلك دليل على سعادته ، وعدم تشويه صورته فى الآخرة ، والله تعالى قادر على وقاية أوليائه مما يشين به أعداءه عاجلا. وفى الحديث : «إذا قرأ الرجل القرآن ، واحتشى من أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ أي : امتلأ ـ وكانت هناك غزيرة ـ يعنى : فقه نفس ومعرفة ـ ، كان خليفة من خلفاء الأنبياء» (٢).
ثم سفه رأى من أشرك بعد هذه الدلائل ، فقال :
(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١))
يقول الحق جل جلاله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) ، فمنكم غنى ومنكم فقير ، ومنكم ملوك مستغنون عن غيرهم ، ومنكم مماليك محتاجون إلى غيرهم ، (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) ؛ وهم الموالي ، أي : السادات ، (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) : بمعطى رزقهم (عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) : على مماليكهم ، أي : ليس الموالي بجاعلى ما رزقناهم من الأموال وغيرها ، شركة بينهم وبين مماليكهم ، (فَهُمْ) أي : المماليك (فِيهِ سَواءٌ) مع
__________________
(١) من الآية ٦ من سورة البلد.
(٢) عزاه السيوطي فى الجامع الصغير (٧٩٤) للرافعى فى تاريخه ، عن أبى أمامة ، وضعّفه. وانظر : فيض القدير ، للمناوى (١ / ٤١٦).