عليه تنكير شفاء ، أو لكلها بضميمة إلى غيره ـ أقول : وبدونها ، بنية ـ وقد أمر به صلىاللهعليهوسلم من استطلق بطنه ، رواه الشيخان. ه. قال ابن جزى : لأن أكثر الأدوية مستعملة من العسل ؛ كالمعاجن ، والأشربة النافعة من الأمراض. وكان ابن عمر يتداوى به من كل شىء ، فكأنه أخذه من العموم. وعلى ذلك يدل الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أن رجلا جاء إليه فقال : أخى يشتكى بطنه ، فقال : اسقه عسلا ، فذهب ثم رجع ، فقال : قد سقيته فما نفع ، قال : فاذهب فاسقه عسلا ، فقد صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه ، فشفاه الله عزوجل» (١).
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ؛ فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر ، علم ، قطعا ، أنه لا بد له من قادر مدبر حكيم ، يلهمها ذلك ويحملها عليه ، وهو الحق تعالى.
الإشارة : إنما كان العسل فيه شفاء للناس ؛ لأن النحل ترعى من جميع العشب ، فتأخذ خواص منافعها. وكذلك العارف الكامل يأخذ النصيب من كل شىء ، ويعرف الله فى كل شىء ، فإذا كان بهذه المنزلة ، كان فيه شفاء للقلوب ، كل من صحبه ، بصدق ومحبة ، شفاه الله ، وكل من رآه ، بتعظيم وصدق ، أحياه الله. وقد قالوا فى صفة العارف : هو الذي يأخذ النصيب من كل شىء ، ولا يأخذ النصيب منه شيئا ، يصفو به كدر كل شىء ، ولا يكدر صفوه شىء ، قد شغله واحد عن كل شىء ، ولم يشغله عن الواحد شىء .. إلى غير ذلك من نعوته. وقال الورتجبي : قال أبو بكر الوراق : النحلة لمّا تبعت الأمر ، وسلكت سبيلها على ما أمرت به ، جعل لعابها شفاء للناس ، كذلك المؤمن ، إذا اتبع الأمر ، وحفظ السر ، وأقبل على مولاه ، جعل رؤيته وكلامه ومجالسته شفاء للخلق ، ومن نظر إليه اعتبر ، ومن سمع كلامه اتعظ ، ومن جالسه سعد. ه.
ثم ذكر دلالة أخرى على قدرته ، وهى الإحياء والإماتة ، فقال :
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))
يقول الحق جل جلاله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) : أظهركم إلى عالم الشهادة ، (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) : يردكم إلى عالم الغيب عند انتهاء آجالكم ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي : أخسه ، يعنى : الهرم والخرف ، الذي يشابه الطفولية فى نقصان القوة والعقل. وقيل : هو خمس وتسعون سنة ، وقيل : خمس وسبعون سنة ، والتحقيق : أن ذلك لا ينضبط بسن. (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ؛ ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية ، فى نقصان العقل والنسيان وسوء الفهم. وليس المراد نفى العلم بالكلية ، بل عبارة عن قلة العلم ؛ لغلبة النسيان. وقيل : المعنى : لئلا يعلم زيادة على علمه شيئا. قال عكرمة : (من قرأ القرآن لم يصر بهذه المنزلة).
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الطب ، باب الدواء بالعسل) ، ومسلم فى (السلام ، باب التداوى بسقى العسل) عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه.