المتكاثرة على كمال قدرته ، وباهر حكمته ، بذكر ما تقدم من أنواع المخلوقات وبدائع المصنوعات ، وكان حق الكلام : أفمن لا يخلق كمن يخلق ، لكنه عكس ؛ تنبيها على أنهم ، بالإشراك بالله ، جعلوه من جنس المخلوقات العجزة ، شبيها بها. والمراد بمن لا يخلق ، كل ما عبد من دون الله ، وغلب أولى العلم منهم ، فعبّر بمن ، أو يريد الأصنام ، وأجراها مجرى أولى العلم ؛ لأنهم سموها آلهة ، ومن حق الإله أن يعلم ، أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ؛ فتعرفوا فساد ذلك ؛ فإنه لظهوره كالحاصل للعقل الذي يحضر عنده بأدنى تذكر والتفات.
ولما ذكر أنواعا من المخلوقات على وجه الاستدلال على وحدانيته ـ وفى ضمنها : تعداد النعم على خلقه ـ أعقبها بقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) أي : لا تطيقوا عدها ، فضلا أن تطيقوا القيام بشكرها. ثم أعقبها بقوله : (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ تنبيها على أن العبد فى محل التقصير ، لو لا أن الله يغفر له تقصيره فى أداء شكر نعمه ، ويرحمه ببقائها مع تقصيره فى شكرها.
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) من عقائدكم وأعمالكم ، وهو وعيد لمن كفر النعم وأشرك مع الله غيره ، سرا أو علانية ، ثم قال تعالى : والذين تدعون (١) أي : والأصنام الذين تعبدونهم (مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) ؛ لظهور عجزهم. لمّا نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق ، بيّن أنها لا تخلق شيئا ؛ ليتحقق نفي الألوهية عنها ؛ ضرورة. ثم علل عجزها ، وعدم استحقاقها للألوهية بقوله : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي : وهم مخلوقون مفتقرون فى وجودهم إلى التخليق ، والإله لا بد أن يكون واجب الوجود.
وهم ، أيضا ، (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) أي : لم تكن لهم حياة قط ، ولا تكون ، وذلك أغرق فى موتها ممن تقدمت له حياة ، ثم مات. والإله ينبغى أن يكون حيا بالذات لا يعتريه الممات. (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) أي : لا يعلمون وقت بعثهم ، أو بعث عبدتهم ، فكيف يكون لهم وقت يجازون فيه من عبدهم ، والإله ينبغى أن يكون عالما بالغيوب ، قادرا على الجزاء لمن عبده؟ وفيه تنبيه على أن البعث من توابع التكليف. قاله البيضاوي.
قال ابن جزى : نفى عن الأصنام صفة الربوبية ، وأثبت لهم أضدادها ؛ وهى أنهم مخلوقون غير خالقين ، وغير أحياء ، وغير عالمين وقت البعث ، فلما قام البرهان على بطلان ربوبيتهم ، أثبت الربوبية لله وحده ، فقال : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). ه. وهو تصريح بما أقام عليه الحجج والبراهين بما تقدم.
__________________
(١) قرأ عاصم ويعقوب : «يدعون» : بالياء. على الالتفات. وقرأ الباقون «تدعون» بتاء الخطاب انظر الإتحاف (٢ / ١٨٢).