فيها أيضا (مَنافِعُ) أخر ؛ كنسلها وظهورها. وإنما عبّر بالمنافع ؛ ليتناول عوضها. (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي : تأكلون ما يؤكل منها ؛ من اللحوم والشحوم والألبان. (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) أي : زينة وبهجة (حِينَ تُرِيحُونَ) ؛ تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي ، (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) ؛ تخرجونها إلى المرعى بالغداة ؛ فإن الأفنية والمشارع والطرق تتزين بها فى الذهاب والرواح ، ويجل أهلها فى أعين الناظرين إليها. وقدّم الإراحة ؛ لأن الجمال فيها أظهر ؛ لأنها تقبل ملأى البطون ، حاملة الضروع ، ثم تأوى إلى الحظائر حاضرة لأهلها.
(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) : أحمالكم عليها من الأمتعة وغيرها (إِلى بَلَدٍ) بعيد ، (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) عليها ، فضلا عن أن تحملوها على ظهوركم ، (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) ؛ إلا بكلفة ومشقة فديحة ، أو : إلا بذهاب شقها ، أي : نصف قوتها من التعب. (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ؛ حيث رحمكم بخلقها وذللها للحمل ، والركوب عليها ، وأنعم عليكم بالأكل من لحومها وألبانها.
(وَ) خلق لكم (الْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) ، (وَ) تتزينوا بها (زِينَةً) ، أو للركوب والزينة. قال البيضاوي : وتغيير النظم ـ أي : حيث لم يقل : وللزينة ـ ؛ لأن الزينة بفعل الخالق ، والركوب من فعل المخلوق ـ أي : باعتبار الحكمة ـ ، ولأن المقصود خلقها للركوب ، وأما التزين بها فحاصل بالعرض. وقرئ بغير واو ، فيحتمل أن يكون علة لركوبها ، أو مصدرا فى موضع الحال من الضمير ، أي : متزينين ، أو متزينا بها. واستدلّ به على حرمة لحومها ، ولا دليل فيه ؛ إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه ، غالبا ، ألا يقصد منه غيره أصلا ، ويدل عليه أن الآية مكية. وعامة المفسرين والمحدثين أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر. ه. (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) مما لا يحيط البشر بعلمها ؛ من عجائب المخلوقات ، وضروب المصنوعات ، مما يؤكل ومما لا يؤكل ، وما خلق فى الجنة والنار ، مما لا يخطر على قلب بشر.
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي : وعلى الله بيان السبيل القصد ، أي : الطريق الموصل إلى المقصود. أو : على الله تقويم طريق الهدى ؛ بنصب الأدلة وبعث الرسل ، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي : السبيل القصد ، أي : القاصد المستقيم الموصل إلى المطلوب ؛ كأنه يقصد الوجه الذي يقصده السالك لا يميل عنه. والمراد من السبيل : الجنس ، ولذلك أضاف إليه القصد ، وقال : (وَمِنْها جائِرٌ) عن القصد ، أو عن الله ، كطريق اليهود والنصارى وغيرهم. والسبيل بمعنى الطريق ، يذكر ويؤنث ، وأنّث هنا. وتغيير الأسلوب ـ أي : حيث لم يقل : قصد السبيل والجائر ـ ؛ لأنه ليس بحق على الله أن يبين طريق الضلالة ، ولأن المقصود ، بالأصالة ، بيان سبيله ، وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض. (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السبيل ، هداية مستلزمة للاهتداء. قاله البيضاوي.