قلت : (وَالْأَنْعامَ) : منصوب بمحذوف ، يفسره : (خَلَقَها) ، أو معطوف على «الإنسان» ، و (خَلَقَها لَكُمْ) : بيان لما خلقت لأجله ، وما بعده تفصيل له. و (مِنْها تَأْكُلُونَ) : إنما قدّم المعمول ؛ للمحافظة على رؤوس الآي ، أو : لأن الأكل منها هو المعتمد عليه فى المعاش ، وأما الأكل من غيرها من سائر الحيوانات المأكولات فعلى سبيل التداوى والتفكه. قاله البيضاوي. قلت : ولعله ، عند مالك ، للاختصاص ، أي : منها تأكلون لا من غيرها ؛ إذ لا يؤكل عنده غيرها من البهائم الإنسية.
وقوله : (لَكُمْ) : يحتمل أن يتعلق بما قبلها أو بما بعدها ، ويختلف الوقف باختلاف ذلك. (إِلَّا بِشِقِّ) : فيه لغتان : الكسر والفتح ، بمعنى التعب والكلفة ، وقيل : المفتوح مصدر شقّ الأمر عليه ، أي : صعب ، والمكسور بمعنى : النصف ، كأنه ذهب نصف قوّته بالتعب. (وَالْخَيْلَ) : عطف على (الْأَنْعامَ). و (زِينَةً) : مفعول من أجله ، عطف على موضع (لِتَرْكَبُوها) : أي : للركوب والزينة ، أو مفعول مطلق ، أي : لتتزينوا بها زينة.
يقول الحق جل جلاله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : أوجدهما (بِالْحَقِ) أي : ملتبسا بالحق ؛ لتدل على وحدانية الحق ، وكمال قدرته وباهر حكمته ، حيث أوجدهما على مقدار مخصوص ، وشكل بديع ، وأوضاع مختلفة ، وهيئات متعددة. أو : خلقهما بقضائه وتدبيره الحق ، لا بمشاركة وتدبير أحد معه ، ولا بمعاونة شريك ولا ظهير ، ولذلك نزه نفسه بقوله : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، كما نزه نفسه ، ابتداء ، لمّا نفى الاستعجال ؛ لأنه من تدبير الخلق أيضا والصدور عن رأيهم ، وفى معناه : تنزيل الوحى على ما يشاء ، لا على ما يشاء غيره ؛ لانفراده أيضا فى ملكه. وفى إبرازه ذلك ، على ما يخالف آراء الخلق ، أدل دليل على وحدانيته فى ملكه ، وإنما وضع كل شىء ودبره ؛ دلالة على وحدانيته وهدايته لخلقه إليه.
ثم شفع بخلق الإنسان فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي : جنسه (مِنْ نُطْفَةٍ) : من ماء مهين يخرج من مكان مهين ، (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) : مجادل ، كثير الجدل والخصام ، مبين لحجته ، أو : خصيم : مكافح لخالقه ، قائل : (من يحيى العظام وهى رميم). روى أن أبىّ بن خلف أتى النبي صلىاللهعليهوسلم بعظم رميم ، فقال : يا محمد ، أترى الله يحيى هذا بعد ما قد رمّ؟ فقال : «نعم». فنزلت. فعلى الأول : تكون الآية عامة لكل إنسان ، وعلى الثاني : خاصة بالكافر. والأول أظهر.
ولمّا ذكر نعمة الإيجاد ذكر نعمة الإمداد ، فقال : (وَالْأَنْعامَ) وهى : الإبل والبقر والغنم ، (خَلَقَها) : أوجدها (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) ؛ ما يدفأ به فيقى البرد ، يعنى : ما يتخذ من جلود الأنعام وأصوافها من الثياب ، (وَ) لكم