وإن سبّتته مال جثلا كأنّه |
|
سدى وأثلاث من نواسج خثعما |
ثم قد يسمى النوم سباتا ، لأنه بالتمدّد يكون. ومثل هذا كثير ، وستراه في (باب المجاز) إن شاء الله.
وأما قوله : (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان : ١٥ ، ١٦] ، فقد أعلمتك أن كل ما في الجنة من آلتها وسررها وفرشها وأكوابها ـ مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد ، وإنما دلّنا الله بما أراناه من هذا الحاضر على ما عنده من الغائب. وقال ابن عباس : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء. والأكواب : كيزان لا عرى لها ، وهي في الدنيا قد تكون من فضة ، وتكون من قوارير.
فأعلمنا أن هناك أكوابا لها بياض الفضّة وصفاء القوارير ، وهذا على التشبيه ، أراد قوارير كأنها من فضة ، كما تقول : أتانا بشراب من نور ، أي كأنه نور.
وقال قتادة في قول الله عزوجل : (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨)) [الرحمن : ٥٨] أي لهنّ صفاء الياقوت وبياض المرجان.
وأما قوله : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ) [الذاريات : ٣٣] ، فإن ابن عباس ، رضي الله عنه ، ذكر أنها آجرّ. والآجرّ : حجارة الطين ، لأنه في صلابة الحجارة.
وقرأت في التّوراة بعد ذكر أنساب ولد نوح صلىاللهعليهوسلم : أنهم تفرّقوا في كل أرض ، وكانت الأرض لسانا واحدا ، فلما ارتحلوا من المشرق وجدوا بقعة في الأرض اسمها (سعير) فحلّوا بها ، ثم جعل الرجل منهم يقول لصاحبه : هلمّ فلنلبّن لبنا فنحرّقه بالنار فيكون اللّبن حجارة ، ونبني مجدلا (١) رأسه في السماء.
وذكر بعض من رأى هذه الحجارة أنها حمر مختّمة. وقال آخرون : مخطّطة ، وذلك تسويمها ، ولهذا ذهب قوم في تفسير (سجّيل) إلى سنك وكل. أي حجر وطين.
وأما قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس : ٩٤] ، فإن المخاطبة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمراد غيره من الشّكاك ، لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلّها ، وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره.
والجواب عن هذا مستقصى في (باب الكناية والتعريض) فكرهت إعادته في هذا الموضع.
__________________
(١) المجدل : القصر المشرق ، لوثاقة بنائه ، وجمعه : مجادل.