قد تكلم المفسرون في هذه الآية بما فيه مقنع وغناء عن أن يوضّح بغير لفظهم :
فروى عبد الرّزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، أنه قال : (اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من قومهم (وَظَنُّوا) أي : علموا (أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) وكان يقرؤها بالتشديد.
وروى عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : استيئس الرّسل ممن كذّبهم من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنّت الرّسل أن من قد آمن بهم من قومهم قد كذّبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك. وكانت تقرأ فكذبوا بضم الكاف وتشديد الذال.
وروى حجّاج ، عن ابن جريج : عن ابن أبي مليكة ، عن عروة ، عن (عائشة) ، أنها قالت : لم يزل البلاء بالرّسل حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم.
وروى حجّاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد أنه قرأها (قَدْ كُذِبُوا) بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال ، يريد : حتى إذا استيئس الرسل من إيمان قومهم فظنّ قومهم أنّ الرّسل قد كذبوا فيما بلّغوا عن الله عزوجل.
وروى حجّاج ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس أنه قرأ : (كُذِبُوا) بضم الكاف ، وكسر الذال ، وتخفيفها. وقال : كانوا بشرا ، يعني الرسل ، يذهب إلى أن الرسل ضعفوا فظنّوا أنهم قد أخلفوا.
وهذه مذاهب مختلفة ، والألفاظ تحتملها كلّها ، ولا نعلم ما أراد الله عزوجل ، غير أنّ أحسنها في الظاهر ، وأولاها بأنبياء الله صلوات الله عليهم ، ما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
في سورة لإيلاف قريش
يذهب بعض الناس إلى أنّ هذه السورة وسورة الفيل واحدة.
وبلغني عن ابن عيينة (١) أنه قال : كان لنا إمام بالكوفة يقرأ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١)) [الفيل : ١] و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١)) [قريش : ١] ولا يفرّق بينهما.
وتوهّم القوم أنهما سورة واحدة ، لأنهم رأوا قوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) مردودا إلى كلام في سورة الفيل.
__________________
(١) ابن عيينة : هو سفيان بن عيينة ، تقدمت ترجمته.