يريد : آنف.
وحكى أبو عبيد ، عن أبي عمرو ، أنه قال في قوله تعالى : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١] : هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما.
فكأنّ نبيّ الله ، صلىاللهعليهوسلم ، لمّا أخبرهم عن الله أنّه منزل العذاب عليهم لأجل ، ثم بلغه بعد مضيّ الأجل أنّه لم يأتهم ما وعدهم ـ خشي أن ينسب إلى الكذب ويعيّر به ، ويحقّق عليه ، لا سيّما ولم تكن قرية آمنت عند حضور العذاب فنفعها إيمانها غير قومه ، فدخلته الأنفة والحميّة ، وكان مغيظا بطول ما عاناه من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم واستخفافهم بأمر الله ، مشتهيا لأن ينزل بأس الله بهم. هذا إلى ضيق صدره ، وقلّة صبره على ما صبر على مثله أولوا العزم من الرّسل.
وقد روي في الحديث أنه كان ضيّق الصدر ، فلما حمّل أعباء النّبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثّقيل ، فمضى على وجهه مضيّ الآبق النّادّ. يقول الله سبحانه : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠)) [الصافات : ١٣٩ ، ١٤٠].
(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ، أي لن نضيّق عليه ، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول : فلان مقدّر عليه في الرزق ، ومقتّر عليه ، بمعنى واحد ، أي مضيّق عليه. ومنه قوله تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [الفجر : ١٦]. وقدر ـ بالتخفيف والتثقيل ـ قال أبو عمرو بن العلاء : قتر وقتّر وقدر وقدّر ، بمعنى واحد ، أي ضيّق. فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته ، وكراهيته العفو عن قومه ، وقبول إنابتهم ـ بالحبس له ، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح : أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى ، فخرج مغاضبا للملك ، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال : فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا.
في سورة يوسف
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) [يوسف : ١١٠].