وما الأمر الذي ألام فيه فنعاه الله عليه إذ يقول : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)) [الصافات : ١٤٢] والمليم : الذي أجرم جرما استوجب به الّلوم.
ولم أخرجه من أولي العزم من الرّسل ، حين يقول لنبيه ، صلىاللهعليهوسلم : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)) [القلم : ٤٨].
وإن كان الغضب عليهم بعد أن آمنوا ، فهذا أغلظ مما أنكروا ، وأفحش مما استقبحوا ، كيف يجوز أن يغضب على قومه حين آمنوا ، ولذلك انتخب وبه بعث ، وإليه دعا؟!.
وما الفرق بين عدو الله ووليّه إن كان وليّه يغضب من إيمان مائة ألف أو يزيدون؟.
والقول في هذا أنّ المغاضبة : المفاعلة من الغضب ، والمفاعلة تكون من اثنين ، تقول : غاضبت فلانا مغاضبة وتغاضبنا : إذا غضب كلّ واحد منكما على صاحبه ، كما تقول : ضاربته مضاربة ، وقاتلته مقاتلة ، وتضاربنا وتقاتلنا.
وقد تكون المفاعلة من واحد ، فنقول : غاضبت من كذا : أي غضبت ، كما تقول : سافرت وناولت ، وعاطيت الرّجل ، وشارفت الموضع ، وجاوزت ، وضاعفت ، وظاهرت ، وعاقبت.
ومعنى المغاضبة هاهنا : الأنفة ، لأن الأنف من الشيء يغضب ، فتسمّى الأنفة غضبا ، والغضب أنفة ، إذا كان كل واحد بسبب من الآخر ، تقول : غضبت لك من كذا ، وأنت تريد أنفت ، قال الشاعر (١) :
غضبت لكم أن تساموا اللّفاء |
|
بشجناء من رحم توصل |
يروى مرة : (أنفت لكم) ، ومرة : (غضبت لكم) ، لأنّ المعنيين متقاربان.
وكذلك (العبد) أصله : الغضب. ثم قد تسمّى الأنفة عبدا.
وقال الشاعر (٢) :
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو لخداش بن زهير في المعاني الكبير ١ / ٥٢٨.
(٢) صدر البيت : أولئك قومي إن هجوني هجوتهم وتقدم البيت مع تخريجه قبل قليل.