فقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣)) [النحل : ٧٣].
فهذا لله ومن عبد من دونه.
وأمّا الآخر فقوله بعد انقضاء المثل : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤)) [النحل : ٧٤].
ولأنه ضرب لهذا المعنى مثلا آخر بعقب هذا الكلام فقال : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) أي : أخرس (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي : عيال وثقل على قرابته ووليّه (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) [النحل : ٧٦].
فهذا مثل آلهتهم ، لأنها صمّ بكم عمي ، ثقل على من عبدها ، في خدمتها والتّعبّد لها ، وهي لا تأتيه بخير.
ثم قال : (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل : ٧٦] فجعل هذا المثل لنفسه.
في سورة النحل أيضا
(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) [النحل : ٩٢].
هذا مثل لمن عاهد الله وحلف به ، فقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [النحل : ٩١] فتكونوا إن فعلتم كامرأة غزلت غزلا وقوّت مرّته وأبرمته ، فلما استحكم نقضته ، فجعلته أنكاثا.
والأنكاث : ما نقض من أخلاق بيوت الشعر والوبر ليغزل ثانية ويعاد مع الجديد ، وكذلك ما نقض من خلق الخزّ.
ومنه قيل لمن أعطاك بيعته على السمع والطاعة ثم خرج عليك : ناكث ، لأنه نقض ما وكّد على نفسه بالإيمان والعهود ، كما تنقض النّاكثة غزلها.
ثم قال : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ). أي : دغلا وخيانة وحيلا (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أي : لأن يكون قوم أغنى من قوم ، وقوم أعلى من قوم ، تريدون : أن تقتطعوا بأيمانكم حقوقا لهؤلاء ، فتجعلوها لهؤلاء.
وقال المفسرون في التي نقضت غزلها : هي امرأة من قريش وكانت حمقاء ،