ثم ضرب المثل فقال : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وذلك أقرب عليكم هل لكم من شركاء من عبيدكم الذين تملكون (فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ) وعبيدكم (سَواءٌ) يأمرون فيه كأمركم ، ويحكمون كحكمكم ، وأنتم (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي كما يخاف الرجل الحرّ شريكه الحرّ في المال يكون بينهما ، فلا يأمر فيه بشيء دون أمره ، ولا يمضي فيه عطيّة بغير إذنه.
وهو مثل قوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) [الحجرات : ١١] أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين.
وقوله : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) [النور : ١٢] أي بأمثالهم من المؤمنين.
يقول : فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم ، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فجعل منكم المالك والمملوك (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) يعني : السادة (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) [النحل : ٧١] من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد : فإذا كان هذا لا يجوز بينكم ، فكيف تجعلونه لله؟.
في سورة النحل
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) [النحل : ٧٥].
هذا مثل ضربه الله لنفسه ولمن عبد دونه ، فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) فهذا مثل من جعل إلها دونه أو معه لأنه عاجز مدبّر ، مملوك لا يقدر على نفع ولا ضرّ.
ثم قال : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) [النحل : ٧٥].
فهذا مثله جل وعز لأنه الواسع الجواد القادر ، الرّازق عباده جهرا من حيث يعلمون ، وسرا من حيث لا يعلمون.
وقال بعض المفسرين : هو مثل للمؤمن ، والكافر. فالعبد : هو الكافر ، والمرزوق : هو المؤمن.
والتفسير الأول أعجب إليّ ، لأن المثل توسّط كلامين هما لله تعالى أمّا (الأوّل)