من القرآن ، إلا نفرا منهم وفقهم الله لجمعه ، وسهّل عليهم حفظه.
قال أنس بن مالك : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا. أي جلّ في عيوننا ، وعظم في صدورنا.
قال الشّعبي : توفى أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، رحمهمالله ، ولم يجمعوا القرآن.
وقال : لم يختمه أحد من الخلفاء غير عثمان.
وروي عن شريك ، عن إسماعيل بن أبي خالد أنه قال :
سمعت الشّعبي يحلف بالله ، عزوجل ، لقد دخل عليّ حفرته وما حفظ القرآن.
وكانت وفود العرب ترد على رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم للإسلام ، فيقرئهم المسلمون شيئا من القرآن ، فيكون ذلك كافيا لهم.
وكان يبعث إلى القبائل المتفرّقة بالسّور المختلفة ، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثنّاة ومكرّرة لوقعت قصّة موسى إلى قوم ، وقصة عيسى إلى قوم ، وقصة نوح إلى قوم ، وقصة لوط إلى قوم.
فأراد الله ، بلطفه ورحمته ، أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع ، ويثبتها في كل قلب ، ويزيد الحاضرين في الإفهام والتحذير.
وليست القصص كالفروض ، لأنّ كتب رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم كانت تنفذ إلى كل قوم بما فرضه الله عليهم من الصلاة ، وعددها وأوقاتها ، والزّكاة وسنتها ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت. وهذا ما لا تعرف كيفيته من الكتاب ، ولم تكن تنفذ بقصة موسى وعيسى ونوح وغيرهم من الأنبياء. وكان هذا في صدر الإسلام قبل إكمال الله الدين ، فلما نشره الله عزوجل في كل قطر ، وبثّه في آفاق الأرض ، وعلم الأكابر الأصاغر ، وجمع القرآن بين الدّفّتين ـ : زال هذا المعنى ، واجتمعت الأنباء في كل مصر وعند كل قوم.
وأما تكرار الكلام من جنس واحد وبعضه يجزىء عن بعض ، كتكراره في : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١)) [الكافرون : ١] وفي سورة الرحمن بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)) [الرحمن : ١٣] فقد أعلمتك أنّ القرآن نزل بلسان القوم ، وعلى مذاهبهم. ومن مذاهبهم التكرار : إرادة التوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار : إرادة التخفيف والإيجاز ، لأن افتتان المتكلم والخطيب في الفنون ، وخروجه عن شيء إلى شيء ـ أحسن من اقتصاره في المقام على فنّ واحد.