باب تكرار الكلام والزّيادة فيه
وأما تكرار الأنباء والقصص ، فإنّ الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة ، بفرض بعد فرض : تيسيرا منه على العباد ، وتدريجا لهم إلى كمال دينه ، ووعظ بعد وعظ : تنبيها لهم من سنة الغفلة ، وشحذا لقلوبهم بمتجدّد الموعظة ، وناسخ بعد منسوخ : استعبادا له واختبارا لبصائرهم. يقول الله عزوجل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢)) [الفرقان : ٣٢].
الخطاب للنبي ، صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بالتثبيت هو والمؤمنون.
وكان رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يتخوّل أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم (١) ، أي يتعهّدهم بها عند الغفلة ودثور القلوب.
ولو أتاهم القرآن نجما واحدا لسبق حدوث الأسباب التي أنزله الله بها ، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين ، وعلى من أراد الدخول في الدين ، ولبطل معنى التنبيه ، وفسد معنى النسخ ، لأن المنسوخ يعمل به مدة ثم يعمل بناسخه بعده.
وكيف يجوز أن ينزل القرآن في وقت واحد : افعلوا كذا ولا تفعلوه؟.
ولم يفرض الله على عباده أن يحفظوا القرآن كلّه ، ولا أن يختموه في التعلم ، وإنما أنزله ليعملوا بمحكمه ، ويؤمنوا بمتشابهه ، ويأتمروا بأمره. وينتهوا بزجره : ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة ، ويقرؤوا فيها الميسور.
قال الحسن : نزل القرآن ليعمل به ، فاتخذ الناس تلاوته عملا.
وكان أصحاب رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، ورضي عنهم ـ وهم مصابيح الأرض وقادة الأنام ومنتهى العلم ـ إنما يقرأ الرّجل منهم السورتين ، والثلاث ، والأربع ، والبعض والشّطر
__________________
(١) لفظ الحديث : عن عبد الله بن مسعود ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة علينا. أخرجه البخاري في العلم باب ١١ ، ١٢ ، ومسلم في المنافقين حديث ٨٢ ، ٨٣ ، والترمذي في الأدب باب ٧٢ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، ٤٢٥ ، ٤٢٧ ، ٤٤٠ ، ٤٤٣ ، ٤٦٢ ، ٤٦٥ ، ٤٦٦.