ومثله قول الشاعر (١) :
يتقارضون إذا التقوا في موطن |
|
نظرا يزيل مواطىء الأقدام |
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء ، يزيل الأقدام عن مواطئها.
فتفهّم قول الله عزوجل : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) أي يقاربون أن يفعلوا ذلك ، ولم يفعلوا. وتفهّم قول الشاعر : (نظرا يزيل) ولم يقل : يكاد يزيل ، لأنه نواها في نفسه.
وكذلك قول الله عزوجل : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠)) [مريم : ٩٠] إعظاما لقولهم.
وقوله جل وعز : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) [إبراهيم : ٤٦].
إكبارا لمكرهم. وقرأها بعضهم : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) [إبراهيم : ٤٦].
وأكثر ما في القرآن من مثل هذا فإنه يأتي بكاد ، فما لم يأت بكاد ففيه إضمارها ، كقوله : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] ، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق :.
وقد يجوز أن يكون أراد : أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها (٢) بالحلوق ، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب. وهم يصفون القلوب بالخفقان ، والنّزو عند المخافة والذّعر.
قال الشاعر في وصف مفازة تنزو من مخافتها قلوب الأدلّاء (٣) :
كأنّ قلوب أدلّائها |
|
معلّقة بقرون الظّباء |
وهذا مثل قوله امرئ القيس (٤) :
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (قرض) ، (زلق) ، وتاج العروس (قرض) ، (زلق) ، وتهذيب اللغة ٨ / ٣٤٢ ، ٤٣٢ ، ومقاييس اللغة ٣ / ٢١ ، وتفسير غريب القرآن ص ٤٨٢ ، وكتاب الصناعتين ص ٢٨١ ، والبيان والتبيين ١ / ١١ ، وتفسير القرطبي ٢ / ٢٥٦ ، وتفسير البحر المحيط ٢ / ٣١٧.
(٢) الوجيف : الاضطراب والخفق.
(٣) البيت من المتقارب ، وهو للمرار الفقعسي في تأويل مختلف الحديث ص ٤٤٨ ، والحماسة البصرية ٢ / ٣٦٢ ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى ٢ / ٩ ، وأساس البلاغة (عفر).
(٤) يروى صدر البيت بلفظ :