هذا : أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة. وقال في موضع آخر : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) [الكهف : ٤٢].
ومنه قوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)) [الدخان : ٢٩] تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن ، رفيع المكان ، عامّ النفع ، كثير الصنائع : أظلمت الشمس له ، وكسف القمر لفقده ، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به ، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب ، لأنّهم جميعا متواطئون عليه ، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم : أظلمت الشمس ، أي كادت تظلم ، وكسف القمر ، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد : همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد ، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا (١) :
الرّيح تبكي شجوه |
|
والبرق يلمع في غمامه |
وقال آخر (٢) :
الشّمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك ، نجوم اللّيل والقمرا |
أراد : الشمس طالعة تبكي عليك ، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر ، لأنّها مظلمة ، وإنما تكسف بضوئها ، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب (٣) :
__________________
(١) يروى البيت بلفظ :
الريح تبكي شجوها |
|
والبرق يضحك في الغمامه |
والبيت من مجزوء الكامل ، وهو لابن مفرغ في ديوانه ص ٢٠٨ ، ولسان العرب (درك) ، وتفسير البحر المحيط ٧ / ٣٦ ، وأمالي المرتضى ١ / ٣٩ ، ٢ / ٩٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٦ ، والبيت بلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة ص ٢٠١ ، والأضداد لابن الأنباري ص ٣٧٢.
(٢) البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٧٣٦ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٣٠٧ ، وأمالي المرتضى ١ / ٥٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٦ ، والعقد الفريد ١ / ٩٦ ، ولسان العرب (كسف) ، (بكى) ، وبلا نسبة في لسان العرب (شمس).
(٣) البيت من البسيط ، وهو في ديوان النابغة الذبياني ص ٨٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، والشعر والشعراء ١ / ١٢٥ ، والبيت بلا نسبة في رصف المباني ص ٤١٨ ، ولسان العرب (روح).