وهذه الآية نزلت في أهل مكة ، وكانوا آمنين بها لا يغار عليهم ، مطمئنين لا ينتجعون ولا يتنقّلون ، فأبدلهم الله بالأمن الخوف من سريا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعوثه ، وبالكفاية الجوع سبع سنين ، حتى أكلوا القدّ والعظام.
ولباس الجوع والخوف : ما ظهر عليهم من سوء آثارهما بالضّمر والشّحوب ونهكة البدن ، وتغيّر الحال ، وكسوف البال.
وقال في موضع آخر : (وَلِباسُ التَّقْوى) [الأعراف : ٢٦] ، أي ما ظهر عنه من السّكينة والإخبات والعمل الصالح ، وكما تقول : تعرّفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان ، وذقت بمعنى : تعرفت واللّباس : بمعنى سوء الأثر ـ كذلك تقول : ذقت لباس الجوع والخوف ، وأذاقني الله ذلك.
ومنه قوله : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١)) [المرسلات : ١] يعني الملائكة ، يريد : أنها متتابعة يتلو بعضها بعضا بما ترسل به من أمر الله عزوجل.
وأصل هذا من عرف الفرس ، لأنه سطر مستو بعضه في إثر بعض. فاستعير للقوم يتبع بعضهم بعضا.
ومنه يقول الناس : هم إليه عرف واحد ، إذا كثروا وتتابعوا في توجّههم إليه.
ويقال : أرسلت بالعرف أي بالمعروف.
ومنه قوله سبحانه : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف : ١٨٢] والاستدراج :أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون ، ولا يباغتهم ولا يجاهرهم. ومنه يقال : درجت فلانا إلى كذا وكذا ، واستدرج فلانا حتى تعرف ما عنده وما صنع. يراد لا تجاهره ولا تهجم عليه بالسؤال ، ولكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.
وأصل هذا من الدّرجة ، وذلك أن الراقي فيها النازل منها ينزل مرقاة مرقاة ، فاستعير هذا منها.
ومنه قوله سبحانه : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] أي يمسكون عن العطية. وأصل هذا : أن المعطي بيده يمدّها ويبسطها بالعطاء ، فقيل لكل من بخل ومنع : قد قبض يده.
ومنه قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) [المائدة : ٦٤] أي : ممسكة.
ومنه قوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] : أي دنوا من الهلاك. وأصل