عنى كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا ، يا أصحاب محمّد ، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما ، فاجتمعوا فكتبوا ، فكانوا إذا اختلفوا وتدارءوا فى أى آية قالوا : هذه أقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلانا ، فيرسل إليه ، وهو على رأس ثلاث من المدينة ، فيقال له : كيف أقرأك رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية كذا وكذا؟ فيقول : كذا وكذا ، فيكتبونها ، وقد تركوا لذلك مكانا.
ولما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار ، فبعثوا إلى الربعة التى فى بيت عمر فجىء بها ، وكان عثمان يتعاهدهم ، فكانوا إذا اندرءوا فى شىء أخروه.
وعن علىّ قال : لا تقولوا فى عثمان إلا خيرا. فو الله ما فعل الذى يفعل فى المصاحف إلا عن ملأ منا ، قال : ما تقولون فى هذه القراءة ، فقد بلغنى أن بعضهم يقول : إن قراءتى خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا ، قلنا : فما ترى؟ قال أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت.
والفرق بين جمع أبى كبر وجمع عثمان أن جمع أبى بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شىء بذهاب حملته ، لأنه لم يكن مجموعا فى موضع واحد ، فجمعه فى صحائف مرتبا لآيات سورة على ما وقفهم عليه النبى صلىاللهعليهوسلم ، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف فى وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات ، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض ، فخشى من تفاقم الأمر فى ذلك ، فنسخ تلك الصحف فى مصحف واحد مرتبا لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم ، وإن كان قد وسع فى قراءته بلغة غيرهم ، رفعا للحرج والمشقة فى ابتداء الأمر ، فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت ، فاقتصر على لغة واحدة.
ولم يقصد عثمان قصد أبى بكر فى جمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبى ، صلىاللهعليهوسلم ، وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ