الإيمان موافقة القلب اللسان ، وإن انفرد اللسان بذلك يسمى إسلاما ولا يسمى إيمانا ، وزاد ذلك إيضاحا بقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فلما تضمن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عدّ من المحاسن.
ومثال الاستثناء : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) فإن الإخبار عن هذه المدة بهذه الصيغة يمهد عذر نوح فى دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم عن آخرهم ، إذ لو قيل : فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما ، لم يكن فيه من التهويل ما فى الأول ، لأن لفظ الألف فى الأول ، أول ما يطرق السمع فيشتغل بها عن سماع بقية الكلام ، وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعدا ما تقدمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر الألف.
الاقتصاص : هو أن يكون كلاما فى سورة مقتصا من كلام فى سورة أخرى ، أو فى تلك السورة ، كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) والآخرة دار ثواب لا عمل فيها فهذا مقتص من قوله تعالى : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى).
الإبدال : هو إقامة بعض الحروف مقام بعض ، ومنه : (فَانْفَلَقَ) أى انفرق ، ولهذا قال : (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) فالراء واللام متعاقبان.
تأكيد المدح بما يشبه الذم :
ومنه قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) الآية ، فإن الاستثناء بعد الاستفهام الخارج مخرج التوبيخ على ما عابوا به المؤمنين من الإيمان يوهم أن ما يأتى بعده مما يوجب أن ينتقم على فاعله مما يذم ، فلما أتى بعد الاستثناء بما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمنا تأكيد المدح بما يشبه الذم.
التفويت : هو إتيان المتكلم بمعان شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون ، كل فن فى جملة منفصلة عن أختها مع تساوى الجمل فى الزنة ، ويكون فى الجمل الطويلة والمتوسطة والقصيرة.
فمن الطويلة : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ).