منها : نطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حبّ التنقلات والسلامة من الاستمرار على منوال واحد.
مثاله من المتكلم إلى الخطاب ، ووجهه حثّ السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه وأعطاه فضل عناية تختص بالمواجهة ، قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) الأصل ، وإليه أرجع ، فالتفت من المتكلم إلى الخطاب ، ونكتته أنه أخرج الكلام فى معرض مناصحته لنفسه ، وهو يريد نصح قومه تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريد لنفسه ، ثم التفت إليهم لكونه فى مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله تعالى ، ومن أمثلته أيضا قوله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ).
ومثاله من التكلم إلى الغيبة ، ووجهه أن يفهم السامع أن هذا نمط المتكلم وقصده من السامع حضر أو غاب ، وأنه ليس فى كلامه ممن يتلون ويتوجه ويبدى فى الغيبة خلاف ما نبديه فى الحضور قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) والأصل : لنغفر لك.
ومثاله من الخطاب إلى التكلم لم يقع فى القرآن ، ومثل له بعضهم : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) ، ثم قال : (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا) ، وقيل : إن المثال لا يصح لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا.
ومثاله من الخطاب إلى الغيبة : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) والأصل بكم ، ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم التعجب من كفرهم وفعلهم ، إذ لو استمرّ على خطابهم لفاتت تلك الفائدة ، وقيل : لأن الخطاب أولا من الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) فلو كان «وجرين بكم» للزم الذى للجميع ، فالتفت عن الأول للإرشاد إلى اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكروه عنهم فى آخر الآية عدولا من الخطاب العام إلى الخاص.
ومثاله من الغيبة إلى المتكلم : (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ).
ومثاله من الغيبة إلى الخطاب : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا).