أما العمل القلبي : فهو الإيمان أولا ، والمعرفة ثانيا ، فما دام العبد محجوبا بشهود نفسه ، محصورا فى الأكوان وفى هيكل ذاته فهو مؤمن بالغيب ، يؤمن بوجود الحق تعالى ، وبما أخبر به من أمور الغيب ، يستدل بوجود أثره عليه ، فإذا فنى عن نفسه وتلطفت دائرة حسه ، وخرجت فكرته عن دائرة الأكوان ، أفضى إلى الشهود والعيان ، فصار الغيب عنده شهادة ، والملك ملكوتا ، والمستقبل حالا ، والآتي واقعا ، وقد قلت فى ذلك :
فلا ترضى بغير الله حبّا |
|
وكن أبدا بعشق واشتياق |
ترى الأمر المغيّب ذا عيان |
|
وتحظى بالوصول وبالتّلاقى |
وفى الحكم : «لو أشرق نور اليقين فى قلبك لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها ، ولرأيت بهجة الدنيا وكسوة الفناء ظاهرة عليها». وقال فى التنوير : ولو انهتك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان ، ولأشرق نور الإيقان فغطى وجود الأكوان. ه.
وإنما اقتصر الحق تعالى على الإيمان بالغيب لأنه هو المكلف به ؛ إذ هو الذي يطيقه جل العباد ، بخلاف المعرفة الخاصة فلا يطيقها إلا الخصوص ، والله تعالى أعلم.
وأما العمل البدني : فهو إقامة الصلاة ، والمراد بإقامتها إتقان شروطها وأركانها وخشوعها ، وحفظ السر فيها ، قال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه : (كل موضع ذكر فيه المصلون فى معرض المدح فإنما جاء لمن أقام الصلاة ، إما بلفظ الإقامة ، وإما بمعنى يرجع إليها ، قال تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ، وقال تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ) ، (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) ، ولما ذكر المصلين بالغفلة قال : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ولم يقل : فويل للمقيمين الصلاة).
وأما العمل المالى فهو الإنفاق فى سبيل الله واجبا أو مندوبا ، وهو من أفضل القربات ، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : «يا ابن آدم أنفق ، أنفق عليك» ، وفى حديث آخر : «أنفق ولا تخف من ذى العرش إقلالا» ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنّ فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. قيل لمن هى يا رسول الله؟ قال : لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وصلى باللّيل والناس نيام». وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ـ عزوجل ـ ليدخل باللقمة من الخبز والقبضة من التمر ومثله ممّا ينتفع به المسكين ثلاثة ، الجنة : رب البيت الآمر به ، والزوجة تصلحه ، والخادم