ومعنى إحيائها حسا : انقاذها من الهلاك الحسى ، ومعنى إحيائها معنى : إنقاذها من الهلاك المعنوي كالجهل والغفلة ، حتى تحيا بالعلم والإيمان واليقظة ، ومعنى قتلها حسا : إهلاكها ، ومعنى قتلها معنى : إيقاعها فى المعاصي والكفر وحملها على ذلك ، وكذلك إهانتها وذلها ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ـ : «لعن المؤمن كقتله». فأمر من قتله خطأ أن يحيى نفسا أخرى فى مقابلتها بإخراجها من موت إهانة الرق ، فإن لم يقدر ، فليحى نفسه بقتل صولتها بالجوع حتى تنكسر ، فتحيا بالتوبة واليقظة ، ويجبر كسر أهل المقتول بالدية المسلّمة.
هذا كله فى تفريطه وقلة حزمه حتى قتل خطأ ، وأما إن قتله عمدا ، فأشار إليه الحق جل جلاله بقوله :
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣))
يقول الحق جل جلاله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) مستحلا لقتله (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) أي : طرده (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) ، وقولنا : مستحلا لقتله ، هو أحد الأجوبة عن شبهة المعتزلة القائلين بتخليد عصاة المؤمنين فى النار. ومن جملتهم : قاتل النفس.
ومذهب أهل السنة : أنه لا يخلد إلا الكافر ، ويؤيد هذا الجواب سبب نزول الآية ، لأنها نزلت فى كافر ، وهو (مقيس بن ضبابة الكناني) ؛ وجد أخاه هشاما قتيلا فى بنى النجار ـ وكان مسلما ـ فذكر ذلك للنبى صلىاللهعليهوسلم فأرسل معه رجلا من بنى فهر ، وقال له : «ائت بنى النّجار ، وقل لهم : إن علمتم قاتل هشام فادفعوه لمقيس يقتصّ منه ، وإن لم تعلموا فادفعوا إليه الدّية». فقالوا : سمعا وطاعة ، لم نعلم قاتله ، فجمعوا مائة من الإبل ، فأخذها ، ثم انصرفا راجعين إلى المدينة ، فوسوس إليه الشيطان ، وقال : أىّ شىء صنعت؟ تقبل دية أخيك فتكون عليك سبّة ، اقتل الرجل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدّية ، فقتله وأخذ الدّية ، فنزلت فيه الآية.
أو يكون الخلود عبارة عن طول المكث ، والجمهور على قبول توبته ، خلافا لابن عباس ، ونقل عنه أيضا قبولها ، ولعله تعالى استغنى عن ذكر التوبة هنا اكتفاء بذكرها فى الفرقان ، حيث قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثم قال : (إِلَّا مَنْ تابَ). وأما من قال : إن تلك منسوخة بهذه فليس بصحيح ؛ لأن النسخ لا يكون فى الأخبار. أو فجزاؤه إن جوزى ، ولا بدع فى خلف الوعيد لقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ؛ لأن الوعيد