يقول الحق جل جلاله : (وَما كانَ) ينبغى (لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) مثله ، أي : هو حرام عليه ، (إِلَّا) أن يقتله (خَطَأً) بأن ظنه كافرا ، أو رمى غيره فصادفه. والآية نزلت بسبب قتل عياش بن ربيعة للحارث بن زيد ، وكان الحارث يعذبه على الإسلام ، ثم أسلم الحارث ، وهاجر ، ولم يعلم عياش بإسلامه ، فقتله.
ثم ذكر حكمه فقال : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي : فعليه تحرير رقبة (مُؤْمِنَةٍ) سالمة من العيوب ، ليس فيها شوب حرية ، تكون من مال القاتل ، (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ) أي : مدفوعة (إِلى أَهْلِهِ) وهى على العاقلة كما بيّن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهى عند مالك : مائة من الإبل على أهل الإبل ، وألف دينار شرعية على أهل الذهب ، واثنا عشر ألف درهم ، على أهل الورق ، مقسطة على ثلاث سنين ، فإن لم تكن العاقلة فعلى بيت المال ، وتقسم على أهله ، على حسب المواريث ، إلا أن يتصدقوا بالدية على القاتل فتسقط ، أي : تسمح فيها الورثة أو القتيل قبل موته.
(فَإِنْ كانَ) المقتول (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) أي : محاربين لكم ، (وَهُوَ) أي : المقتول (مُؤْمِنٌ) فعلى القاتل (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ولا دية ؛ لأنهم محاربون فيتقووا بها على المسلمين ، ورأى مالك أن الدية فى هذا واجبة لبيت المال ، (وَإِنْ كانَ) المقتول مؤمنا وهو (مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي : عقد الصلح أو الذمة ، فعلى القاتل (دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) ، وعليه أيضا (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) كفارة لخطئه. فإن كان غير مؤمن فلا كفارة فيه. وفيه نصف دية المسلم ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الرقبة ، أو لم يقدر عليها ؛ فعليه (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) عوضا من العتق ، جعل الله ذلك (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) على القاتل لتفريطه. (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بما فرض ، (حَكِيماً) فيما قدّر ودبّر. والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ قد رغّب فى إحياء النفوس ، حسا ومعنى ، ونهى عن قتلها حسا ومعنى ، وما ذلك إلا لخصوص محبة له فيها ، ومزيد اعتناء له بشأنها ؛ فليس فى الوجود أعز عند الله من مظهر هذا الآدمي إن استقام فى العبودية لربه ، فهو قلب الوجود ، ومن أجله ظهر كل موجود ، وهو المنظور إليه من هذا العالم السفلى ، والمقصود بالخطاب التكليفي : جزئى وكلى ، فهو المقصود من بيت القصيد ، وهو المحبوب إليه ، دون سائر العبيد ، قال تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي).