وهدمى هدمك ، وثأرى ثأرك. فيضرب بعضهم على يد الآخر فى عقد ذلك الحلف. فلذلك قال : (عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) فكان فى أول الإسلام يرث من حليفه السدس ، وإليه أشار بقوله : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) ، ثم نسخ.
وقيل : نزلت فى المؤاخاة التي آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين المهاجرين والأنصار ، فكان يرث السدس ، ثم نسخ بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). وعن أبى حنيفة : لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث. وقال ابن عباس : آتوهم نصيبهم من النصرة التي تعاقدوا عليها ، فيوفى لهم بها ، فلا نسخ.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) ، هو تهديد لمن تعدى الحدود ، ونقض العهود. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ولكل زمان جعلنا أولياء كبراء ، يرثون مما ترك أشياخهم من خصوصية الولاية وسر العناية ، إلى يوم القيامة ؛ فالأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة ويظهر المحجة ، فيقال لهم : والذين عقدت أيمانكم فى الصحبة معكم ، فظهر صدقهم ، وبانت خدمتهم ، فآتوهم نصيبهم مما خصكم الله به من سر الولاية ولطف العناية ، (إن الله كان على كل شىء شهيدا) ، لا يخفى عليه من يستحق الخلافة ويرث سر الولاية. والله تعالى أعلم.
ثم بيّن حكمة تفضيل الرجال على النساء فى المواريث وغيرها ، فقال :
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤))
قلت : (فالصالحات) مبتدأ ، وما بعده إخبار عنه ، وأتى بالفاء المؤذنة بالسببية والتفريع ، وكأنه تعالى يقول : الرجال قوامون على النساء ، فمن كانت صالحة قام عليها بما تستحقه من حسن المعاشرة ، ومن كانت ناشزة عاملها بما تستحقه من الوعظ وغيره. وكل ما هنا من لفظ (ما) فهى مصدرية. إلا ما قرأ به أبو جعفر : [بما حفظ الله] ، بالنصب ، فهى عنده موصولة اسمية ، أي : بالأمر الذي حفظ الله ؛ وهو طاعتها لله فحفظها بذلك ، وقيل إنها مصدرية. انظر الثعلبي.
يقول الحق جل جلاله : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) أي : قائمون عليهن قيام الولاة على الرعية ، فى التأديب والإنفاق والتعليم ، ذلك لأمرين : أحدهما وهبى ، والآخر كسبى ؛ فالوهبى : هو تفضيل الله لهم على