إلا أن يكون صرفه فى تجارة رابحة ، تقربكم من الحبيب ، وتجلبكم إلى حضرة القريب ، فتلك تجارة رابحة وصفقة نافعة. والله تعالى أعلم.
ثم تكلم على بعض ما يتعلق بحفظ الأبدان ، وسيأتى تمامه فى قوله : (وما كان لمؤمن ...) إلى آخر الآيات ، فقال :
(وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠))
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، بالخنق أو بالنخع (١) أو بالجرح ، الذي يؤدى إلى الموت ، أو بالإلقاء إلى التهلكة. وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : (بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى غزوة ذات السّلاسل ، فأجنبت فى ليلة باردة ، فأشفقت على نفسى وصليت بأصحابى صلاة الصبح بالتيمم. فلمّا قدمت ذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟» قلت : نعم يا رسول الله ، أشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فذكرت قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ، فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يقل شيئا).
أو : ولا تقتلوا إخوانكم فى الإسلام ، فإن المؤمنين كنفس واحدة. قال البيضاوي : جمع فى التوصية بين حفظ النفس والمال ـ الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها ـ استبقاء لهم. ه.
وإنما نهاكم عن قتل أنفسكم رأفة ، ورحمة بكم ، (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ، فقد أمر بنى إسرائيل بقتل أنفسهم ، وأنتم نهاكم عنه. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) القتل. أو جميع ما سبق من المحرمات (عُدْواناً وَظُلْماً) ، أي : إفراطا فى التجاوز عن الحد ، وإتيانا بما لا يستحق ، أو تعديا على الغير وظلما على النفس ، بتعريضها للعقاب ، (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) أي : نحرقه ونشويه فيها. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً).
وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «من قتل نفسه بشىء عذب به فى نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها» وهو تغليظ ، أو لمن استحل ذلك. وهذا الوعيد الذي ذكره الحق هنا فى قتل الإنسان بيده ، أهون مما ذكره فى قتل الغير ، الذي يأتى ، لأنه زاد هناك الغضب واللعنة والعذاب العظيم ، أما قول ابن عطية : إنه أجمع المفسرون أن هذه الآية فى قتل بعضهم بعضا ، فليس بصحيح ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) النخع : هو القتل الشديد ، مشتق من قطع النخاع.