ثم شرع فى معاتبة اليهود وذكر مساوئهم ، فقال :
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١))
قلت : (لو) : مصدرية ، أي : تمنوا إضلالكم.
يقول الحق جل جلاله لبعض المسلمين ـ وهم حذيفة وعمار ومعاذ ـ دعاهم اليهود إلى دينهم وطمعوا فيهم : (وَدَّتْ طائِفَةٌ) أي : تمنت طائفة (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) أي : يفتنونكم عن دينكم ، ويتلفونكم عن طريق الحق ، (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ؛ لأن المسلمين لا يقبلون ذلك منهم ، فرجع الضلال عليهم ، وعاد وباله إليهم ، وتضاعف عذابه عليهم ، (وَما يَشْعُرُونَ) أن وباله راجع إليهم.
ثم صرح الحق تعالى بعتابهم ، فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) المنزلة على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وتجحدون رسالته؟ (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أنها من عند الله ، وأنه نبى الله ، وهو منعوت عندكم فى التوراة والإنجيل ، والمراد أحبارهم ، أو تشهدون أنه نبى الله بالمعجزات الواضحات. (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) بالتحريف وإبراز الباطل فى صورة الحق ، حتى كتمتم نعت محمد وحرفتموه ، وأظهرتم موضعه الباطل الذي سولت لكم أنفسكم؟ (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) ؛ نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه رسول الله حقا وأن دينه حق ، أو : وأنتم عالمون بكتمانكم.
الإشارة : ترى كثيرا من أهل الرئاسة والجاه من أولاد الصالحين ، وممن ينتسب لهم ، إذا رأوا من ظهر بالخصوصية فى زمانهم يتمنون إضلالهم وإطفاء أنوارهم ، خوفا على زوال رئاستهم ، وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ، (والله متم نوره ولو كره الكافرون) ، وهذه نزعة يهودية سببها الحسد ، والحسود لا يسود ، وبعضهم يتحقق بخصوصية غيرهم ، فيكتمها وهو يشهد بصحتها ، فيقال لهم : لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون؟ ولم تلبسون الحق بالباطل ، وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟.
ثم ذكر الحق ـ تعالى ـ خدع أهل الكتاب وحيلهم الفارغة ، فقال :
(وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢))