وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء إلا مريم ابنة
عمران ، وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد» ... الحديث. قال ابن عزيز : أي : عالمى
دهرها ، كما فضّلت خديجة وفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم على نساء أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، بل قال أبو عمر : فاطمة فضلت على جميع النساء ، وهو واضح
، لحديث : سيدة نساء أهل الجنة ، لكن جاء فى حديث آخر استثناء مريم. فالله أعلم.
وفى الاستيعاب :
عن عمران بن حصين : أن النبي صلىاللهعليهوسلم عاد فاطمة ، وهى مريضة ، فقال : «كيف تجدك يا بنيّة؟»
فقالت له : إنى لوجعة ، وإنه ليزيدنى أنى مالى طعام آكله ، فقال : «يا بنيّة ، أما
ترضين أنك سيدة نساء العالمين» ، فقالت : يا أبت ، فأين مريم بنت عمران؟ قال : «تلك
سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ، والله لقد زوجتك سيدا فى الدنيا
والآخرة» ه. من المحشى.
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ) أي : أطيلى الصلاة شكرا لما اختصك به ، (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ
الرَّاكِعِينَ) أي : صلّى مع المصلين ، وقدّم السجود على الركوع ، إما لكونه
كذلك فى شرعهم ، أو للتنبيه على أن الواو لا ترتب ، أو ليقترن (ارْكَعِي) بالراكعين ، للإيذان بأنّ من ليس فى صلاتهم ركوع ليسوا
بمصلين. وقيل : المراد بالقنوت : إدامة الطاعة ، كقوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ
ساجِداً وَقائِماً) ، وبالسجود : الصلاة ، لقوله : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) ، وبالركوع : الخشوع والإخبات. قاله البيضاوي. وقال
الأوزاعى : لما قالت لها الملائكة ذلك ، قامت فى الصلاة حتى تورمت قدمها وسالت دما
وقيحا.
الإشارة
: لا يصطفى الله
العبد لحضرته إلا بعد تطهيره من الرذائل ، وتحليته بأنواع الفضائل ، وقطعه عن قلبه
الشواغل ، والقيام بوظائف العبودية ، وبالآداب مع عظمة الربوبية ، والخضوع تحت
مجارى الأقدار ، والتسليم لأحكام الواحد القهار ، فأنفاس المريد ثلاثة : عبادة ،
ثم عبودية ، ثم عبودة ، ثم يترقى إلى مطالعة علم الغيوب ، الذي أشار إليه الحق تعالى
بقوله :
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤))
يقول
الحق جل جلاله ، لحبيبه صلىاللهعليهوسلم : (ذلِكَ) القصص الذي أطلعتك عليه ، هو (مِنْ) أخبار (الْغَيْبِ) الذي لم يكن لك به شعور ، وما عرفته إلا بوحينا وإعلامنا ،
فلا يشك فى نبوتك إلا مطموس أعمى ، (و) أيضا : (ما