ابن فاهث بن لاوى بن يعقوب ، أو المراد بعمران : عمران بن أشهم بن أموى ، من ولد سليمان عليهالسلام ، وهو والد مريم أم عيسى عليهالسلام ، وقيل : المراد عمران بن ماثان ، أحد أجداد عمران والد مريم. وإنما خص هؤلاء ، لأن الأنبياء كلهم من نسلهم. وقيل : أراد إبراهيم وعمران أنفسهما. «وآل» مقحمة ، كقوله : (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) أي : موسى وهارون ، فقد فضل الحق ـ جل جلاله ـ هؤلاء الأنبياء بالخصائص الجسمانية والروحانية (عَلَى الْعالَمِينَ) أي : كلا على عالمى زمانه ، وبه استدل على فضلهم على الملائكة. حال كونهم (ذُرِّيَّةً) متشعبة (بَعْضُها مِنْ) ولد (بَعْضٍ) فى النسب والدين ، (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأقوال العباد وأعمالهم ، (عَلِيمٌ) بسرائرهم وعلانيتهم ، فيصطفى من صفا قوله وعمله ، وخلص سره ، للرسالة والنبوة.
ثم تخلّص لذكر نشأة مريم ، توطئة لذكر ولدها ، فقال : واذكر (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) وهى حنة بنت فاقوذا ، جدة عيسى عليهالسلام : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) لخدمة بيت المقدس ، لا أشغله بشىء ، أو مخلصا للعبادة ، (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، وكان المحرر عندهم ، إذا حرر ، جعل فى الكنيسة يقوم عليها وينكسها ، ولا يبرح منها حتى يبلغ الحلم ، ثم يخير ، فإن أحبّ أقام أو ذهب حيث شاء ، ولم يكن يحرر إلا الغلمان ؛ لأن الجارية لا تصلح للخدمة ؛ لما يصيبها من الحيض ، فحررت أمّ مريم حملها ولم تدر ما هو.
وقصة ذلك : أن زكريا وعمران تزوجا أختين ، فتزوج زكريا أشياع بنت فاقوذا ، وتزوج عمران حنة بنت فاقوذا ، فكان عيسى ويحيى ابني الخالة (١) ، وكانت حنة عاقرا لا تلد ، فبينما هى فى ظل شجرة ، بصرت بطائر يطعم فرخا ، فتحركت لذلك نفسها للولد فدعت الله تعالى ، وقالت : اللهم لك على ، إن رزقتنى ولدا ، أن أتصدق به على بيت المقدس ، يكون من سدنته وخدمه ، فحملت بمريم ، فهلك عمران ، وحنة حامل بمريم ، (فَلَمَّا وَضَعَتْها) أي : النذيرة ، أو ما فى بطنها ، قالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، قالت ذلك تحسّرا وتحزنا إلى ربها ، لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرا يصلح للخدمة ، ولذلك نذرته.
قال تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) ، تعظيما لموضوعها وتنويها بشأنها ، أو من كلامها ـ على قراءة التكلم ـ تسلية لنفسها ، أي : ولعل لله فيه سرا ، قال تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) أي : وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت ، أو من كلامها ، أي : وليس الذكر والأنثى سيان فيما نذرت. ثم قالت : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) راجية أن يطابق اسمها فعلها ، فإن مريم فى نعتهم هى العابدة الخادمة ، وكانت مريم أجمل النساء فى وقتها وأفضلهن ، وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «حسبك من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم».
__________________
(١) أي : بينهما هذه الجهة من القرابة ، وهى جهة الخئولة.